وهذا المعنى آب عن التخصيص، إذ مرجعه إلى أنه في مورد خاص يرفع اليد عن الامر المبرم بأمر غير مبرم، وهو خلاف الارتكاز. ونظير المقام أدلة حرمة العمل بالظن، فان مثل قوله (تعالى): " إن الظن لا يغني عن الحق شيئا " غير قابل للتخصيص، إذ مرجعه إلى أن الظن الفلاني يغني عن الحق. ولا يمكن الالتزام به، كما هو ظاهر.
و (ثانيا) - مع الغض عن إبائها عن التخصيص أن التخصيص في رتبة متأخرة عن الورود والحكومة، لان التخصيص رفع الحكم عن الموضوع، ومع انتفاء الموضوع بالوجدان - كما في الورود - أو بالتعبد - كما في الحكومة - لا تصل النوبة إلى التخصيص. وسنبين انه لا موضوع للاستصحاب مع الامارة على وفاقه أو على خلافه.
وذهب صاحب الكفاية (ره) وبعض من المحققين إلى أن تقديم الامارات على الأصول من باب الورود لوجوه:
(الوجه الأول) - أن ذكر اليقين - في قوله (ع): " ولكن تنقضه بيقين آخر " - ليس من باب كونه صفة خاصة، بل من باب كونه من مصاديق الحجة، فهو بمنزلة أن يقال: انقضه بالحجة، وإنما ذكر خصوص اليقين، لكونه أعلى أفراد الحجة، لكون الحجية ذاتية له وغير مجعولة، فخصوصية اليقين مما لا دخل له في رفع اليد عن الحالة السابقة، بل ترفع اليد عنها مع قيام الحجة على الارتفاع بلا فرق بين اليقين وغيره من الامارات المعتبرة، فموضوع الاستصحاب هو الشك في البقاء مع عدم قيام الحجة على الارتفاع أو البقاء، فمع قيام الامارة ينتفي موضوع الاستصحاب. والورود ليس إلا انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه.
وفيه أن تصور هذا المعنى وإن كان صحيحا في مقام الثبوت، إلا أن مقام الاثبات لا يساعد عليه. إذ ظاهر الدليل كون خصوص اليقين موجبا لرفع اليد عن الحالة السابقة.