نعبدهم بما تعبدهم ليثيب من أحسن ويعاقب من أساء، ولهذا قال (يغفر لمن يشاء) أن يغفر له (ويعذب من يشاء) أن يعذبه - لا يسأل عما يفعل وهم يسألون - (وكان الله غفورا رحيما) أي كثير المغفرة والرحمة بليغها يخص بمغفرته ورحمته من يشاء من عباده (سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها) المخلفون هؤلاء المذكورون سابقا، والظرف متعلق بقوله " سيقول " والمعنى سيقولون عند انطلاقكم أيها المسلمون (إلى مغانم) يعنى مغانم خيبر (لتأخذوها) لتحوزوها (ذرونا نتبعكم) أي اتركونا نتبعكم ونشهد معكم غزوة خيبر. وأصل القصة أنه لما انصرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه من المسلمين من الحديبية وعدهم الله فتح خيبر، وخص بغنائمها من شهد الحديبية، فلما انطلقوا إليها قال هؤلاء المخلفون: ذرونا نتبعكم، فقال الله سبحانه (يريدون أن يبدلوا كلام الله) أي يغيروا كلام الله، والمراد بهذا الكلام الذي أرادوا أن يبدلوه هو مواعيد الله لأهل الحديبية خاصة بغنيمة خيبر.
وقال مقاتل: يعنى أمر الله لرسوله أن لا يسير معه أحد منهم. وقال ابن زيد: هو قوله تعالى - فإذا استأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا - واعترض هذا ابن جرير وغيره بأن غزوة تبوك كانت بعد فتح خيبر وبعد فتح مكة والأول أولى، وبه قال مجاهد وقتادة، ورجحه ابن جرير وغيره. قرأ الجمهور " كلام الله " وقرأ حمزة والكسائي " كلم الله " قال الجوهري: الكلام اسم جنس يقع على القليل والكثير، والكلم لا يكون أقل من ثلاث كلمات لأنه جمع كلمة مثل نبقة ونبق. ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يمنعهم من الخروج معه فقال (قل لن تتبعونا) هذا النفي هو في معنى النهي، والمعنى: لا تتبعونا (كذلكم قال الله من قبل) أي من قبل رجوعنا من الحديبية أن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية خاصة ليس لغيرهم فيها نصيب (فسيقولون) يعنى المنافقين عند سماع هذا القول، وهو قوله " لن تتبعونا " (بل تحسدوننا) أي بل ما يمنعكم من خروجنا معكم إلا الحسد لئلا نشارككم في الغنيمة، وليس ذلك بقول الله كما تزعمون. ثم رد الله سبحانه عليهم بقوله (بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا) أي لا يعلمون إلا علما قليلا، وهو علمهم بأمر الدنيا، وقيل لا يفقهون من أمر الدين إلا فقها قليلا، وهو ما يصنعونه نفاقا بظواهرهم دون بواطنهم.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (وتعزروه) يعنى الإجلال (وتوقروه) يعنى التعظيم، يعنى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم. وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والضياء في المختارة عنه في قوله (وتعزروه) قال: تضربوا بين يديه بالسيف. وأخرج ابن عدي وابن مردويه والخطيب وابن عساكر في تاريخه عن جابر بن عبد الله قال " لما أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية (وتعزروه) قال لأصحابه: ما ذاك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: لتنصروه ". وأخرج أحمد وابن مردويه عن عبادة بن الصامت قال " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول في الله لا تأخذنا فيه لومة لائم، وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب، فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا ولنا الجنة، فمن وفى وفى الله له، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه ". وفي الصحيحين من حديث جابر " أنهم كانوا في بيعة الرضوان خمس عشرة مائة " وفيهما عنه أنهم كانوا أربع عشرة مائة، وفي البخاري من حديث قتادة عن سعيد بن المسيب أنه سأله كم كانوا في بيعة الرضوان؟ قال: خمس عشرة مائة، فقال له: إن جابرا قال كانوا أربع عشرة مائة، قال رحمه الله: وهم هو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة.