فرجت) أي فتحت وشقت، ومثله قوله - وفتحت السماء فكانت أبوابا - (وإذا الجبال نسفت) أي قلعت من مكانها بسرعة، يقال نسفت الشئ وأنسفته: إذا أخذته بسرعة. وقال الكلبي: سويت بالأرض، والعرب تقول: نسفت الناقة الكلأ: إذا رعته، وقيل جعلت كالحب الذي ينسف بالمنسف، ومنه قوله - وبست الجبال بسا - والأول أولى. قال المبرد: نسفت قلعت من مواضعها (وإذا الرسل أقتت) الهمزة في أقتت بدل من الواو المضمومة، وكل واو انضمت وكانت ضمتها لازمة يجوز إبدالها بالهمزة، وقد قرأ بالواو أبو عمرو وشيبة والأعرج وقرأ الباقون بالهمزة، والوقت: الأجل الذي يكون عنده الشئ المؤخر إليه، والمعنى: جعل لها وقت للفصل والقضاء بينهم وبين الأمم كما في قوله سبحانه - يوم يجمع الله الرسل - وقيل هذا في الدنيا: أي جمعت الرسل لميقاتها الذي ضرب لها في إنزال العذاب بمن كذبها، والأول أولى. قال أبو علي الفارسي: أي جعل يوم الدين والفصل لها وقتا، وقيل أقتت: أرسلت لأوقات معلومة على ما علم الله به (لأي يوم أجلت) هذا الاستفهام للتعظيم والتعجيب: أي لأي يوم عظيم يعجب العباد منه لشدته ومزيد أهواله ضرب لهم الأجل لجمعهم، والجملة مقول قول مقدر هو جواب لإذا، أو في محل نصب على الحال من الضمير في أقتت. قال الزجاج: المراد بهذا التأقيت تبيين الوقت الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم، ثم بين هذا اليوم فقال (ليوم الفصل) قال قتادة: يفصل فيه بين الناس بأعمالهم إلى الجنة والنار، ثم عظم ذلك اليوم فقال (وما أدراك ما يوم الفصل) أي وما أعلمك بيوم الفصل يعنى أنه أمر بديع هائل لا يقادر قدره، وما مبتدأ وأدراك خبره، أو العكس كما اختاره سيبويه. ثم ذكر حال الذين كذبوا بذلك اليوم فقال (ويل يومئذ للمكذبين) أي ويل لهم في ذلك اليوم الهائل، وويل أصل مصدر ساد مسد فعله، وعدل به إلى الرفع للدلالة على الثبات، والويل الهلاك، أو هو اسم واد في جهنم، وكرر هذه الآية في هذه السورة لأنه قسم الويل بينهم على قدر تكذيبهم، فإن لكل مكذب بشئ عذابا سوى تكذيبه بشئ آخر، ورب شئ كذب به هو أعظم جرما من التكذيب بغيره، فيقسم له من الويل على قدر ذلك التكذيب. ثم ذكر سبحانه ما فعل بالكفار من الأمم الخالية فقال (ألم نهلك الأولين) أخبر سبحانه بإهلاك الكفار من الأمم الماضية من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم. قال مقاتل: يعنى بالعذاب في الدنيا حين كذبوا رسلهم (ثم نتبعهم الآخرين) يعنى كفار مكة، ومن وافقهم حين كذبوا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم قرأ الجمهور " نتبعهم " بالرفع على الاستئناف أي ثم نحن نتبعهم. قال أبو البقاء ليس بمعطوف لأن العطف يوجب أن يكون المعنى: أهلكنا الأولين ثم أتبعناهم الآخرين في الإهلاك. وليس كذلك لأن إهلاك الآخرين لم يقع بعد. ويدل على الرفع قراءة ابن مسعود " ثم سنتبعهم الآخرين " وقرأ الأعرج والعباس عن أبي عمرو نتبعهم بالجزم عطفا على نهلك. قال شهاب الدين: على جعل الفعل معطوفا على مجموع الجملة من قوله " ألم نهلك " (كذلك نفعل بالمجرمين) أي مثل ذلك الفعل الفظيع نفعل بهم، يريد من يهلكه فيما بعد، والكاف في موضع نصب على النعت لمصدر محذوف: أي مثل ذلك الإهلاك نفعل بكل مشرك إما في الدنيا أو في الآخرة (ويل يومئذ للمكذبين) أي ويل يوم ذلك الإهلاك للمكذبين بكتب الله ورسله، قيل الويل الأول لعذاب الآخرة، وهذا لعذاب الدنيا (ألم نخلقكم من ماء مهين) أي ضعيف حقير، وهو النطفة (فجعلناه في قرار مكين) أي مكان حريز، وهو الرحم (إلى قدر معلوم) أي إلى مقدار معلوم، وهو مدة الحمل، وقيل إلى أن يصور (فقدرنا) قرأ الجمهور " فقدرنا " بالتخفيف. وقرأ نافع والكسائي بالتشديد من التقدير. قال الكسائي والفراء: وهما لغتان بمعنى تقول: قدرت كذا، وقدرته (فنعم القادرون) أي نعم المقدرون نحن، قيل المعنى: قدرناه قصيرا أو طويلا، وقيل معنى
(٣٥٧)