والتكرير للتأكيد: أي يتكرر عليك ذلك مرة بعد مره. قال الواحدي: قال المفسرون: أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيد أبي جهل، ثم قال (أولى لك فأولى) فقال أبو جهل: بأي شئ تهددني لا تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا، وإني لأعز أهل هذا الوادي، فنزلت هذه الآية. وقيل معناه: الويل لك، ومنه قول الخنساء: هممت بنفسي بعض الهموم * فأولى لنفسي أولى لها وعلى القول بأنه الويل، قيل هو من المقلوب كأنه قيل: أويل لك، ثم أخر الحرف المعتل. قيل ومعنى التكرير لهذا اللفظ أربع مرات، والويل لك حيا، والويل لك ميتا، والويل لك يوم البعث، والويل لك يوم تدخل النار.
وقيل المعنى: إن الذم لك أولى لك من تركه. وقيل المعنى: أنت أولى وأجدر بهذا العذاب قاله ثعلب. وقال الأصمعي: أولى في كلام العرب معناه مقاربة الهلاك. قال المبرد: كأنه يقول: قد وليت الهلاك وقد دانيته، وأصله من الولي، وهو القرب، وأنشد الفراء: فأولى أن يكون لك الولاء - أي قارب أن يكون لك، وأنشد أيضا: أولى لمن هاجت له أن يكمدا (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) أي هملا لا يؤمر ولا ينهى ولا يحاسب ولا يعاقب، وقال السدي: معناه المهمل، ومنه إبل سدي: أي ترعى بلا راع، وقيل المعنى:
أيحسب أن يترك في قبره كذلك أبدا لا يبعث، وجملة (ألم يك نطفة من مني يمنى) مستأنفة: أي ألم يك ذلك الإنسان قطرة من مني يراق في الرحم، وسمي المني منيا لإراقته، والنطفة: الماء القليل، يقال نطف الماء: إذا قطر. قرأ الجمهور " ألم يك " بالتحتية على إرجاع الضمير إلى الإنسان. وقرأ الحسن بالفوقية على الالتفات إليه توبيخا له.
وقرأ الجمهور أيضا " تمنى " بالفوقية على أن الضمير للنطفة. وقرأ حفص وابن محيصن ومجاهد ويعقوب بالتحتية على أن الضمير للمني، ورويت هذه القراءة عن أبي عمرو، واختارها أبو حاتم (ثم كان علقة) أي كان بعد النطفة علقة: أي دما (فخلق) أي فقدر بأن جعلها مضغة مخلقة (فسوى) أي فعد له وكمل نشأته ونفخ فيه الروح (فجعل منه) أي حصل من الإنسان، وقيل من المنى (الزوجين) أي الصنفين من نوع الإنسان. ثم بين ذلك فقال (الذكر والأنثى) أي الرجل والمرأة (أليس ذلك) أي ليس ذلك الذي أنشأ هذا الخلق البديع وقدر عليه (بقادر على أن يحيى الموتى) أي يعيد الأجسام بالبعث كما كانت عليه في الدنيا، فإن الإعادة أهون من الابتداء، وأيسر مؤنة منه. قرأ الجمهور " بقادر " وقرأ زيد بن علي " يقدر " فعلا مضارعا، وقرأ الجمهور " يحيى " بنصبه بأن. وقرأ طلحة بن سليمان والفياض بن غزوان بسكونها تخفيفا، أو على إجراء الوصل مجرى الوقف كما مر في مواضع.
وقد أخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (وقيل من راق) قال: تنتزع نفسه حتى إذا كانت في تراقيه، قيل من يرقي بروحه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب (والتفت الساق بالساق) قال: التفت عليه الدنيا والآخرة وملائكة العذاب أيهم يرقى به. وأخرج عبد بن حميد عنه (وقيل من راق) قل من راق يرقى. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا (والتفت الساق بالساق) يقول: آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة، فتلقى الشدة بالشدة إلا من رحم الله. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا (يتمطى) قال: يختال. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس عن قوله (أولى لك فأولى) أشئ قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي جهل من قبل نفسه، أم أمره الله به؟ قال: بل قاله من قبل نفسه ثم أنزله الله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (أن يترك سدى) قال: