قوله (لا أقسم بيوم القيامة) قال أبو عبيدة وجماعة من المفسرين: إن لا زائدة، والتقدير: أقسم. قال السمرقندي: أجمع المفسرون أن معنى لا أقسم: أقسم، واختلفوا في تفسير لا، فقال: بعضهم: هي زائدة، وزيادتها جارية في كلام العرب كما في قوله - ما منعك ألا تسجد - يعني أن تسجد، و - لئلا يعلم أهل الكتاب - ومن هذا قول الشاعر:
تذكرت ليلى فاعترتني صبابة * وكاد صميم القلب لا يتقطع وقال بعضهم: هي رد لكلامهم حيث أنكروا البعث كأنه قال: ليس الأمر كما ذكرتم أقسم بيوم القيامة، وهذا قول الفراء وكثير من النحويين، كقول القائل لا والله، فلا رد لكلام قد تقدمها، ومنه قول الشاعر:
فلا وأبيك ابنه العامري * لا يدعى القوم أنى أفر وقيل هي للنفي، لكن لا لنفي الإقسام، بل لنفي ما ينبئ عنه من إعظام المقسم به وتفخيمه، كان معنى لا أقسم بكذا: لا أعظمه بإقسامي به حق إعظامه، فإنه حقيق بأكثر من ذلك. وقيل إنها لنفي الإقسام لوضوح الأمر، وقد تقدم الكلام على هذا في تفسير قوله - فلا أقسم بمواقع النجوم - وقرأ الحسن وابن كثير في رواية عنه والزهري وابن هرمز " لأقسم " بدون ألف على أن اللام لام الابتداء، والقول الأول هو أرجح هذه الأقوال، وقد اعترض عليه الرازي بما لا يقدح في قوته ولا يفت في عضد رجحانه، وإقسامه سبحانه بيوم القيامة لتعظيمه وتفخيمه، ولله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته (ولا أقسم بالنفس اللوامة) ذهب قوم إلى أنه سبحانه أقسم بالنفس اللوامة كما أقسم بيوم القيامة، فيكون الكلام في لا هذه كالكلام في الأولى، وهذا قول الجمهور. وقال الحسن:
أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة. قال الثعلبي: والصحيح أنه أقسم بهما جميعا، ومعنى النفس اللوامة:
النفس التي تلوم صاحبها على تقصيره، أو تلوم جميع النفوس على تقصيرها. قال الحسن: هي والله نفس المؤمن، لا يرى المؤمن إلا يلوم نفسه ما أردت بكذا ما أردت بكذا، والفاجر لا يعاتب نفسه. قال مجاهد: هي التي تلوم على ما فات وتندم، فتلوم نفسها على الشر لم تعمله؟ وعلى الخير لم لم تستكثر منه؟ قال الفراء: ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها، وإن كانت عملت خيرا قالت: هلا ازددت، وإن كانت عملت سوءا قالت:
ليتني لم أفعل. وعلى هذا فالكلام خارج مخرج المدح للنفس، فيكون الإقسام بها حسنا سائغا. وقيل اللوامة هي الملومة المذمومة، فهي صفة ذم، وبهذا احتج من نفي أن يكون قسما، إذ ليس لنفس العاصي خطر يقسم به.
قال مقاتل: هي نفس الكافر يلوم نفسه ويتحسر في الآخرة على ما فرط في جنب الله، والأول أولى (أيحسب