يحتقروا الإناث. ثم ذكر سبحانه أن هذه التسمية والقسمة المفهومة من الاستفهام قسمة جائزة فقال (تلك إذا قسمة ضيزى) قرأ الجمهور " ضيزى " بياء ساكنة بغير همزة، وقرأ ابن كثير بهمزة ساكنة، والمعنى: أنها قسمة خارجة عن الصواب جائرة عن العدل مائلة عن الحق. قال الأخفش: يقال ضاز في الحكم: أي جار، وضازه حقه يضيزه ضيزا: أي نقصه وبخسه، قال: وقد يهمز، وأنشد:
فإن تناء عنا ننتقصك وإن تغب * فحقك مضئوز وأنفك راغم وقال الكسائي: ضاز يضيز ضيزا، وضاز يضوز ضوزا: إذا تعدى وظلم وبخس وانتقص، ومنه قول الشاعر:
ضازت بنو أسد بحكمهم * إذ يجعلون الرأس كالذنب قال الفراء: وبعض العرب يقول: ضيزى بالهمز، وحكى أبو حاتم عن أبي زيد أنه سمع العرب تهمز ضيزى، قال البغوي: ليس في كلام العرب فعلى بكسر الفاء في النعوت إنما تكون في الأسماء مثل ذكرى. قال المؤرج: كرهوا ضم الضاد في ضيزى وخافوا انقلاب الياء واوا وهي من بنات الواو، فكسروا الضاد لهذه العلة كما قالوا في جمع أبيض بيض، وكذا قال الزجاج: وقيل هي مصدر كذكري، فيكون المعنى: قسمة ذات جور وظلم. ثم رد سبحانه عليهم بقوله (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم) أي ما الأوثان أو الأصنام باعتبار ما تدعونه من كونها آلهة إلا أسماء محضة، ليس فيها شئ من معنى الألوهية التي تدعونها، لأنها لا تبصر ولا تسمع ولا تعقل ولا تفهم ولا تضر ولا تنفع، فليست إلا مجرد أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم، قلد الآخر فيها الأول، وتبع في ذلك الأبناء الآباء. وفي هذا من التحقير لشأنها ما لا يخفى كما تقول في تحقير رجل: ما هو إلا اسم إذا لم يكن مشتملا على صفة معتبرة، ومثل هذه الآية قوله تعالى - ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها.
يقال: سميته زيدا وسميته بزيد، فقوله سميتموها صفة لأصنام، والضمير يرجع إلى الأسماء لا إلى الأصنام: أي جعلتموها أسماء لا جعلتم لها أسماء. وقيل إن قوله " هي " راجع إلى الأسماء الثلاثة المذكورة، والأول أولى (ما أنزل الله بها من سلطان) أي ما أنزل بها من حجة ولا برهان. قال مقاتل: لم ينزل لنا كتابا لكم فيه حجة كما تقولون إنها آلهة، ثم أخبر عنهم بقوله (إن يتبعون إلا الظن) أي ما يتبعون فيما ذكر من التسمية والعمل بموجبها إلا الظن الذي لا يغني من الحق شيئا، والتفت من الخطاب إلى الغيبة إعراضا عنهم وتحقيرا لشأنهم فقال (وما تهوى الأنفس) أي تميل إليه وتشتهيه من غير النفات إلى ما هو الحق الذي يجب الاتباع له. قرأ الجمهور " يتبعون " بالتحتية على الغيبة، وقرأ عيسى بن عمر وأيوب وابن السميفع بالفوقية على الخطاب، ورويت هذه القراءة عن ابن مسعود وابن عباس وطلحة وابن وثاب (ولقد جاءهم من ربهم الهدى) أي البيان الواضح الظاهر بأنها ليست بآلهة، والجملة في محل نصب على الحال من فاعل يتبعون، ويجوز أن يكون اعتراضا، والأول أولى. والمعنى: كيف يتبعون ذلك والحال أن قد جاءهم ما فيه هدى لهم من عند الله على لسان رسوله الذي بعثه الله بين ظهرانيهم وجعله من أنفسهم (أم للإنسان ما تمنى) أم هي المنقطعة المقدرة ببل والهمزة التي للإنكار، فأضرب عن اتباعهم الظن الذي هو مجرد التوهم، وعن اتباعهم هوى الأنفس وما تميل إليه، وانتقل إلى إنكار أن يكون لهم ما يتمنون من كون الأصنام تنفعهم وتشفع لهم. ثم علل انتفاء أن يكون للإنسان ما تمنى بقوله (فلله الآخرة والأولى) أي أن أمور الآخرة والدنيا بأسرها لله عز وجل فليس لهم معه أمر من الأمور، ومن جملة ذلك أمنياتهم الباطلة وأطماعهم الفارغة، ثم أكد ذلك وزاد في إبطال ما يتمنونه فقال (وكم من ملك في السماوات لا تغنى شفاعتهم شيئا) وكم هنا هي الخبرية