لعباده (إن في ذلك) المذكور من التسخير (لآيات لقوم يتفكرون) وخص المتفكرين لأنه لا ينتفع بها إلا من تفكر فيها، فإنه ينتقل من التفكر إلى الاستدلال بها على التوحيد (قل للذين آمنوا يغفروا) أي قل لهم اغفروا يغفروا (للذين لا يرجون أيام الله) وقيل هو على حذف اللام، والتقدير: قل لهم ليغفروا. والمعنى: قل لهم يتجاوزوا عن الذين لا يرجون وقائع الله بأعدائه: أي لا يتوقعانها، ومعنى الرجاء هنا الخوف، وقيل هو على معناه الحقيقي. والمعنى: لا يرجون ثوابه في الأوقات التي وقتها الله لثواب المؤمنين، والأول أولى، والأيام يعبر بها عن الوقائع كما تقدم في تفسير قوله - وذكرهم بأيام الله - قال مقاتل: لا يخشون مثل عذاب الله للأمم الخالية، وذلك أنهم لا يؤمنون به فلا يخافون عقابه. وقيل المعنى: لا يأملون نصر الله لأوليائه وإيقاعه بأعدائه، وقيل لا يخافون البعث. وقيل والآية منسوخة بآية السيف (ليجزي قوما بما كانوا يكسبون) قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي " لنجزي " بالنون: أي لنجزي نحن. وقرأ باقي السبعة بالتحتية مبنيا للفاعل: أي ليجزي الله. وقرأ أبو جعفر وشيبة وعاصم بالتحتية مبنيا للمفعول مع نصب قوما، فقيل النائب عن الفاعل مصدر الفعل أي ليجزي الجزاء قوما، وقيل إن النائب الجار والمجرور كما في قوله الشاعر:
ولو ولدت فقيرة جر وكلب * لسب بذلك الجرو الكلابا وقد أجاز ذلك الأخفش والكوفيون، ومنعه البصريون، والجملة لتعليل الأمر بالمغفرة، والمراد بالقوم المؤمنون، أمروا بالمغفرة ليجزيهم الله يوم القيامة بما كسبوا في الدنيا من الأعمال الحسنة التي من جملتها الصبر على أذية الكفار والإغضاء عنهم بكظم الغيظ واحتمال المكروه. وقيل المعنى: ليجزي الكفار بما عملوا من السيئات كأنه قال: لا تكافئوهم أنتم لنكافئهم نحن، والأول أولى. ثم ذكر المؤمنين وأعمالهم والمشركين وأعمالهم فقال (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها) والمعنى: أن عمل كل طائفة من إحسان أو إساءة لعامله لا يتجاوزه إلى غيره وفيه ترغيب وتهديد (ثم إلى ربكم ترجعون) فيجازي كلا بعمله إن كان خيرا فخير، وإن كان شرا فشر.
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله (جميعا منه) قال: منه النور والشمس والقمر. وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال: كل شئ هو من الله. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن طاووس قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عمرو بن العاص فسأله مم خلق الخلق؟ قال: من الماء والنور والظلمة والهواء والتراب، قال: فمم خلق هؤلاء؟ قال: لا أدري. ثم أتى الرجل عبد الله بن الزبير، فسأله فقال مثل قول عبد الله بن عمرو، فأتى ابن عباس فسأله مم خلق الخلق؟ فقال: من الماء والنور والظلمة والريح والتراب، قال فمم خلق هؤلاء؟ فقرأ ابن عباس (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه) فقال الرجل: ما كان ليأتي بهذا إلا رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس في قوله (قل للذين آمنوا يغفروا) الآية قال: كان نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم يعرض عن المشركين إذا آذوه، وكانوا يستهزئون به ويكذبونه، فأمره الله أن يقاتل المشركين كافة، فكان هذا من المنسوخ