فقال (لم يلد) ثم أشار إلى الحجة فقال (ولم يولد) كأنه قيل الدليل على امتناع الولد اتفاقنا على أنه ما كان ولدا لغيره، وإنما عبر سبحانه بما يفيد انتفاء كونه لم يلد ولم يولد في الماضي ولم يذكر ما يفيد انتفاء كونه كذلك في المستقبل لأنه ورد جوابا عن قولهم: ولد الله كما حكى الله عنهم بقوله - ألا إنهم من إفكهم سنة ليقولون ولد الله - فلما كان المقصود من هذه الآية تكذيب قولهم، وهم إنما قالوا ذلك بلفظ يفيد النفي فيما مضى، وردت الآية لدفع قولهم هذا (ولم يكن له كفوا أحد) هذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها لأنه سبحانه إذا كان متصفا بالصفات المتقدمة كان متصفا بكونه لم يكافئه أحد ولا يماثله ولا يشاركه في شئ، وأخر اسم كان لرعاية الفواصل، وقوله " له " متعلق بقوله " كفوا " قدم عليه لرعاية الاهتمام، لأن المقصود نفى المكافأة عن ذاته. وقيل إنه في محل نصب على الحال، والأول أولى. وقد رد المبرد على سيبويه بهذه الآية لأن سيبويه قال: إنه إذا تقدم الظرف كان هو الخبر، وههنا لم يجعل خبرا مع تقدمه، وقد رد على المبرد بوجهين: أحدهما أن سيبويه لم يجعل ذلك حتما بل جوزه. والثاني أنا لا نسلم كون الظرف هنا ليس بخبر، بل يجوز أن يكون خبرا ويكون كفوا منتصبا على الحال وحكى في الكشاف عن سيبويه على أن الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر، واقتصر في هذه الحكاية على نقل أول كلام سيبويه ولم ينظر إلى آخره، فإنه قال في آخر كلامه: والتقديم والتأخير والإلغاء والاستقرار عربي جيد كثير انتهى. قرأ الجمهور " كفوا " بضم الكاف والفاء وتسهيل الهمزة، وقرأ الأعرج وسيبويه ونافع في رواية عنه بإسكان الفاء، وروى ذلك عن حمزه مع إبداله الهمزة واوا وصلا ووقفا، وقرأ نافع في رواية عنه " كفأ " بكسر الكاف وفتح الفاء من غير مد، وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس كذلك مع المد، وأنشد قول النابغة * لا تقذفني بركن لا كفاء له * والكفء في لغة العرب النظير، يقول هذا كفؤك: أي نظيرك، والاسم الكفاءة بالفتح.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والمحاملي في أماليه والطبراني وأبو الشيخ في العظمة عن بريد لا أعلمه إلا رفعه. قال (الصمد) الذي لا جوف له، ولا يصح رفع هذا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال (الصمد) الذي لا جوف له، وفي لفظ: ليس له أحشاء. وأخرج ابن أبي عاصم وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس مثله. وأخرج ابن المنذر عنه قال (الصمد) الذي لا يطعم، وهو المصمت. وقال: أو ما سمعت النائحة وهي تقول:
لقد بكر الناعي بخير بني أسد * بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد وكان لا يطعم عند القتال، وقد روى عنه أن الذي يصمد إليه في الحوائج، وأنه أنشد البيت واستدل به على هذا المعنى، وهو أظهر في المدح وأدخل في الشرف، وليس لوصفه بأنه لا يطعم عند القتال كثير معنى. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق على ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال (الصمد) السيد الذي قد كمل في سودده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسودد، وهو الله سبحانه هذه صفة لا تنبغي إلا له ليس له كفو وليس كمثله شئ. وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال (الصمد) هو السيد الذي قد انتهى سودده فلا