بأن صارت بحرا واحدا وكثر ماؤها، وبه قال الربيع بن خثيم والكلبي ومقاتل والحسن والضحاك. وقيل أرسل عذبها على مالحها ومالحها على عذبها حتى امتلأت، وقيل فجرت فصارت بحرا واحدا. وروى عن قتادة وابن حبان أن معنى الآية: يبست ولا يبقى فيها قطرة، يقال سجرت الحوض أسجره سجرا: إذا ملأته. وقال القشيري: هو من سجرت التنور أسجره سجرا: إذا أحميته. قال ابن زيد وعطية وسفيان ووهب وغيرهم: أوقدت فصارت نارا، وقيل معنى سجرت أنها صارت حمراء كالدم، من قولهم عين سجراء: أي حمراء. قرأ الجمهور " سجرت " بتشديد الجيم.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بتخفيفها (وإذا النفوس زوجت) أي قرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح في الجنة، وقرن بين رجل السوء مع رجل السوء في النار. وقال عطاء: زوجت نفوس المؤمنين بالحور العين وقرنت نفوس الكافرين بالشياطين، وقيل قرن كل شكل إلى شكله في العمل، وهو راجع إلى القول الأول. وقيل قرن كل رجل إلى من كان يلازمه من ملك أو سلطان كما في قوله - احشروا الذين ظلموا وأزواجهم - وقال عكرمة (وإذا النفوس زوجت) يعنى قرنت الأرواح بالأجساد. وقال الحسن: ألحق كل امرئ بشيعته: اليهود باليهود، والنصارى بالنصارى، والمجوس بالمجوس، وكل من كان يعبد شيئا من دون الله يلحق بعضهم ببعض والمنافقون بالمنافقين، والمؤمنون بالمؤمنين. وقيل يقرن الغاوي بمن أغواه من شيطان أو إنسان، ويقرن المطيع بمن دعاه إلى الطاعة من الأنبياء والمؤمنين. وقيل قرنت النفوس بأعمالها (وإذا الموؤودة سئلت) أي المدفونة حية، وقد كان العرب إذا ولدت لأحدهم بنت دفنها حية مخافة العار أو الحاجة، يقال: وأد يائد وأدا فهو وائد، والمفعول به مؤود، وأصله مأخوذ من الثقل لأنها تدفن، فيطرح عليها التراب فيثقلها فتموت، ومنه - ولا يئوده حفظهما - أي لا يثقله، ومنه قول متمم بن نويرة: وموءودة مقبورة في مغارة ومنه قول الراجز: سميتها إذ ولدت تموت * والقبر صهر ضامن رميت قرأ الجمهور " الموؤودة " بهمزة بين واوين ساكنين كالموعودة. وقرأ البزي في رواية عنه بهمزة مضمومة ثم واو ساكنة. وقرأ الأعمش " المودة " بزنة الموزة. وقرأ الجمهور " سئلت " مبنيا للمفعول، وقرأ الحسن بكسر السين من سال يسيل. وقرأ الجمهور " قتلت " بالتخفيف مبنيا للمفعول، وقرأ أبو جعفر بالتشديد على التكثير. وقرأ علي وابن مسعود وابن عباس سألت مبنيا للفاعل " قتلت " بضم التاء الأخيرة. ومعنى سئلت على قراءة الجمهور:
أن توجيه السؤال إليها لإظهار كمال الغيظ على قاتلها حتى كان لا يستحق أن يخاطب ويسأل عن ذلك، وفيه تبكيت لقاتلها وتوبيخ له شديد. قال الحسن: أراد الله أن يوبخ قاتلها لأنها قتلت بغير ذنب، وفي مصحف أبي " وإذا الموؤودة سألت بأي ذنب قتلتني " (وإذا الصحف نشرت) يعنى صحائف الأعمال نشرت للحساب، لأنها تطوى عند الموت وتنشر عند الحساب، فيقف كل إنسان على صحيفته فيعلم ما فيها، فيقول - مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها - قرأ نافع وعاصم وابن عامر وأبو عمرو " نشرت " بالتخفيف. وقرأ الباقون بالتشديد على التكثير (وإذا السماء كشطت) الكشط: قلع عن شدة التزاق، فالسماء تكشط كما يكشط الجلد عن الكبش، والقشط بالقاف لغة في الكشط، وهي قراءة ابن مسعود. قال الزجاج: قلعت كما يقلع السقف. وقال الفراء: نزعت فطويت. وقال مقاتل: كشفت عما فيها. قال الواحدي: ومعنى الكشط رفعك شيئا عن شئ قد غطاه (وإذا الجحيم سعرت) أي أوقدت لأعداء الله إيقادا شديدا. قرأ الجمهور " سعرت " بالتخفيف، وقرأ نافع وابن ذكوان وحفص بالتشديد لأنها أوقدت مرة بعد مرة. قال قتادة: سعرها غضب الله وخطا يا بني آدم (وإذا