لكلامه، والتصدي الإصغاء. قرأ الجمهور " تصدى " بالتخفيف على طرح إحدى التاءين تخفيفا، وقرأ نافع وابن محيصن بالتشديد على الإدغام، وفي هذا مزيد تنفير له صلى الله عليه وآله وسلم عن الإقبال عليهم والإصغاء إلى كلامهم (وما عليك أن لا يزكى) أي أي شئ عليك في أن لا يسلم ولا يهتدي، فإنه ليس عليك إلا البلاغ، فلا تهتم بأمر من كان هكذا من الكفار، ويجوز أن تكون ما نافية: أي ليس عليك بأس في أن لا يتزكى من تصديت له وأقبلت عليه، وتكون الجملة في محل نصب على الحال من ضمير تصدى. ثم زاد سبحانه في معاتبة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فقال (وأما من جاءك يسعى) أي وصل إليك حال كونه مسرعا في المجئ إليك طالبا منك أن ترشده إلى الخير وتعظه بمواعظ الله، وجملة (وهو يخشى) حال من فاعل يسعى على التداخل، أو من فاعل جاءك على الترادف (فأنت عنه تلهى) أي تتشاغل عنه وتعرض عن الإقبال عليه، والتلهي التشاغل والتغافل، يقال لهيت عن الأمر ألهى: أي تشاغلت عنه، وكذا تلهيت، وقوله (كلا) ردع له صلى الله عليه وآله وسلم عما عوتب عليه: أي لا تفعل بعد هذا الواقع منك مثله من الإعراض عن الفقير، والتصدي للغنى والتشاغل به، مع كونه ليس ممن يتزكى عن إرشاد من جاءك من أهل التزكي والقبول للموعظة، وهذا الواقع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو من باب ترك الأولى، فأرشده الله سبحانه إلى ما هو الأولى به (إنها تذكرة) أي أن هذه الآيات أو السورة موعظة حقها أن تتعظ بها وتقبلها وتعمل بموجبها ويعمل بها كل أمتك (فمن شاء ذكره) أي فمن رغب فيها اتعظ بها وحفظها وعمل بموجبها، ومن رغب عنها كما فعله من استغنى فلا حاجة إلى الاهتمام بأمره. قيل الضميران في إنها، وفي ذكره للقرآن، وتأنيث الأول لتأنيث خبره. وقيل الأول للسورة، أو للآيات السابقة. والثاني للتذكرة لأنها في معنى الذكر، وقيل إن معنى " فمن شاء ذكره " فمن شاء الله ألهمه وفهمه القرآن حتى يذكره ويتعظ به، والأول أولى. ثم أخبر سبحانه عن عظم هذه التذكرة وجلالتها فقال (في صحف) أي إنها تذكرة كائنة في صحف، فالجار والمجرور صفة لتذكرة، وما بينهما اعتراض، والصحف جمع صحيفة، ومعنى (مكرمة) أنها مكرمة عند الله لما فيها من العلم والحكمة، أو لأنها نازلة من اللوح المحفوظ، وقيل المراد بالصحف كتب الأنبياء، كما في قوله - إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى - ومعنى (مرفوعة) أنها رفيعة القدر عند الله، وقيل مرفوعة في السماء السابعة. قال الواحدي: قال المفسرون: مكرمة يعنى اللوح المحفوظ (مرفوعة) يعنى في السماء السابعة. قال ابن جرير: مرفوعة القدر والذكر، وقيل مرفوعة عن الشبه والتناقض (مطهرة) أي منزهة لا يمسها إلا المطهرون. قال الحسن: مطهرة من كل دنس. قال السدى: مصانة عن الكفار لا ينالونها (بأيدي سفرة) السفرة جمع سافر ككتبة وكاتب، والمعنى: أنها بأيدي كتبة من الملائكة ينسخون الكتب من اللوح المحفوظ. قال الفراء: السفرة هنا الملائكة الذين يسفرون بالوحي بين الله ورسوله، من السفارة وهو السعي بين القوم، وأنشد:
فما أدع السفارة بين قومي * ولا أمشي بغير أب نسيب قال الزجاج: وإنما قيل للكتاب سفر بكسر السين، والكاتب سافر، لأن معناه أنه بين، يقال أسفر الصبح:
إذا أضاء، وأسفرت المرأة: إذا كشفت النقاب عن وجهها، ومنه سفرت بين القوم أسفر سفارة: أي أصلحت بينهم. قال مجاهد: هم الملائكة الكرام الكاتبون لأعمال العباد. وقال قتادة: السفرة هنا هم القراء لأنهم يقرءون الأسفار. وقال وهب بن منبه: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ثم أثنى سبحانه على السفرة فقال (كرام بررة) أي كرام على ربهم كذا قال الكلبي. وقال الحسن: كرام عن المعاصي، فهم يرفعون أنفسهم عنها. وقيل