ممزوجة بالزنجبيل وقد كانت العرب تستلذ مزج الشراب بالزنجبيل لطيب رائحته. وقال مجاهد وقتادة: الزنجبيل اسم للعين التي يشرب بها المقربون. وقال مقاتل: هو زنجبيل لا يشبه زنجبيل الدنيا (عينا فيها تسمى سلسبيلا) انتصاب عينا على أنها بدل من كأسا. ويجوز أن تكون منصوبة بفعل مقدر: أي يسقون عينا، ويجوز أن تكون منصوبة بنزع الخافض: أي من عين، والسلسبيل: الشراب اللذيذ، مأخوذ من السلاسة، تقول العرب: هذا شراب سلس، وسلسال وسلسبيل: أي طيب لذيذ. قال الزجاج: السلسبيل في اللغة اسم لماء في غاية السلاسة حديد الجرية يسوغ في حلوقهم، ومنه قول حسان بن ثابت:
يسقون من ورد البريص عليهم * كأسا يصفق بالرحيق السلسل (ويطوف عليهم ولدان مخلدون) لما فرغ سبحانه من وصف شرابهم، ووصف آنيتهم، ووصف السقاة الذين يسقونهم ذلك الشراب. ومعنى (مخلدون) باقون على ما هم عليه من الشباب والطراوة والنضارة، لا يهرمون ولا يتغيرون، وقيل معنى (مخلدون) لا يموتون، وقيل التخليد التحلية: أي محلون (إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا) إذا نظرت إليهم ظننتهم لمزيد حسنهم وصفاء ألوانهم ونضارة وجوههم لؤلؤا مفرقا. قال عطاء:
يريد في بياض اللون وحسنه، واللؤلؤ إذا نثر من الخيط على البساط كان أحسن منه منظوما. قال أهل المعاني: إنما شبهوا بالمنثور لانتثارهم في الخدمة، ولو كانوا صفا لشبهوا بالمنظوم، وقيل إنما شبههم بالمنثور لأنهم سراع في الخدمة، بخلاف الحور العين فإنه شبههن باللؤلؤ المكنون لأنهن لا يمتهن بالخدمة (وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا) أي وإذا رميت ببصرك هناك، يعنى في الجنة رأيت نعيما لا يوصف، وملكا كبيرا لا يقادر قدره، وثم ظرف مكان، والعامل فيها رأيت. قال الفراء في الكلام ما مضمرة: أي وإذا رأيت ما ثم، كقوله - لقد تقطع بينكم - أي ما بينكم. قال الزجاج معترضا على الفراء: إنه لا يجوز إسقاط الموصول وترك الصلة، ولكن رأيت يتعدى في المعنى إلى ثم. والمعنى: إذا رأيت ببصرك ثم، ويعني ثم الجنة قال السدي: النعيم ما يتنعم به، والملك الكبير: استئذان الملائكة عليهم، وكذا قال مقاتل والكلبي. وقيل إن رأيت ليس له مفعول ملفوظ ولا مقدر ولا منوى، بل معناه: أن بصرك أينما وقع في الجنة رأيت نعيما وملكا كبيرا (عاليهم ثياب سندس) قرأ نافع وحمزة وابن محيصن " عاليهم " بسكون الياء وكسر الهاء على أنه خبر مقدم، وثياب مبتدأ مؤخر، أو على أن عاليهم مبتدأ، وثياب مرتفع بالفاعلية وإن لم يعتمد الوصف كما هو مذهب الأخفش.
وقال الفراء: هو مرفوع بالابتداء، وخبره: ثياب سندس، واسم الفاعل مراد به الجمع. وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الهاء على أنه ظرف في محل رفع على أنه خبر مقدم، وثياب مبتدأ مؤخر، كأنه قيل فوقهم ثياب. قال الفراء: إن عاليهم بمعنى فوقهم، وكذا قال ابن عطية. قال أبو حيان: عال وعالية اسم فاعل، فيحتاج في كونهما ظرفين إلى أن يكون منقولا من كلام العرب، وقد تقدمه إلى هذا الزجاج وقال: هذا مما لا نعرفه في الظروف ولو كان ظرفا لم يجز إسكان الياء، ولكنه نصب على الحال من شيئين: أحدهما الهاء والميم في قوله (يطوف عليهم) أي على الأبرار (ولدان) عاليا الأبرار (ثياب سندس) أي يطوف عليهم في هذه الحال. والثاني أن يكون حالا من الولدان: أي إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا في حال علو الثياب أبدانهم. وقال أبو علي الفارسي:
العامل في الحال إما لقاهم نضرة وسرورا، وإما جزاهم بما صبروا. قال: ويجوز أن يكون ظرفا. وقرأ ابن سيرين ومجاهد وأبو حيوة وابن أبي عبلة: عليهم، وهي قراءة واضحة المعنى ظاهرة الدلالة. واختار أبو عبيد القراءة الأولى لقراءة ابن مسعود: عاليتهم. وقرأ الجمهور بإضافة ثياب إلى سندس. وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة بتنوين