قرأ الجمهور " بأيمانهم " جمع يمين. وقرأ سهل بن سعد الساعدي وأبو حيوة " بإيمانهم " بكسر الهمزة على أن المراد بالإيمان ضد الكفر، وقيل هو القرآن، والجار والمجرور في الموضعين في محل نصب على الحال من نورهم: أي كائنا بين أيديهم وبأيمانهم (بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) بشراكم مبتدأ، وخبره جنات على تقدير مضاف: أي دخول جنات، والجملة مقول قول مقدر: أي يقال لهم هذا، والقائل لهم هم الملائكة.
قال مكي: وأجاز الفراء نصب جنات على الحال، ويكون اليوم خبر بشراكم، وهذا بعيد جدا " خالدين فيها " حال مقدرة، والإشارة بقوله (ذلك) إلى النور والبشري، وهو مبتدأ وخبره (هو الفوز العظيم) أي لا يقادر قدره حتى كأنه لا فوز غيره، ولا اعتداد بما سواه (يوم يقول المنافقون والمنافقات) يوم بدل من يوم الأول، ويجوز أن يكون العامل فيه الفوز العظيم، ويجوز أن يكون منصوبا بفعل مقدر: أي أذكر (للذين آمنوا) اللام للتبليغ كنظائرها. قرأ الجمهور (انظرونا) أمرا بوصل الهمزة وضم الظاء من النظر بمعنى الانتظار: أي انتظرونا، يقولون ذلك لما رأوا المؤمنين يسرع بهم إلى الجنة. وقرأ الأعمش وحمزة ويحيى بن وثاب بقطع الهمزة وكسر الظاء من الإنظار: أي أمهلونا وأخرونا، يقال أنظرته واستنظرته: أي أمهلته واستمهلته. قال الفراء. تقول العرب أنظرني: أي انتظرني،. أنشد قول عمرو بن كلثوم:
* أبا هند فلا تعجل علينا * وأنظرنا نخبرك اليقينا وقيل معنى انظرونا: انظروا إلينا، لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم فيستضيئون بنورهم (نقتبس من نوركم) أي نستضئ منه، والقبس: الشعلة من النار والسراج، فلما قالوا ذلك (قيل ارجعوا وراءكم) أي قال لهم المؤمنون أو الملائكة زجرا لهم وتهكما بهم: أي ارجعوا وراءكم إلى الموضع الذي أخذنا منه النور (فالتمسوا نورا) أي اطلبوا هنالك نورا لأنفسكم، فإنه من هنالك يقتبس، وقيل المعنى: ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا النور بما التمسناه به من الإيمان والأعمال الصالحة، وقيل أرادوا بالنور ما وراءهم من الظلمة تهكما بهم (فضرب بينهم بسور) السور: هو الحاجز بين الشيئين، والمراد به هنا الحاجز بين الجنة والنار، أو بين أهل الجنة وأهل النار. قال الكسائي: والباء في بسور زائدة. ثم وصف سبحانه السور المذكور فقال (له باب باطنه فيه الرحمة) أي باطن ذلك السور. وهو الجانب الذي يلي أهل الجنة فيه الرحمة وهي الجنة (وظاهره) وهو الجانب الذي يلي أهل النار (من قبله العذاب) أي من جهته عذاب جهنم، وقيل إن المؤمنين يسبقونهم فيدخلون الجنة، والمنافقون يحصلون في العذاب وبينهم السور، وقيل إن الرحمة التي في باطنه نور المؤمنين، والعذاب الذي في ظاهره ظلمة المنافقين، ولما ضرب بالسور بين المؤمنين والمنافقين أخبر الله سبحانه عما قاله المنافقون إذ ذاك فقال (ينادونهم ألم نكن معكم) أي موافقين لكم في الظاهر نصلي بصلاتكم في مساجدكم ونعمل بأعمال الإسلام مثلكم، والجملة مستأنفة كأنه قيل: فماذا قال المنافقون بعد ضرب السور بينهم وبين المؤمنين؟ فقال (ينادونهم)، ثم أخبر سبحانه عما أجابهم به المؤمنون فقال (قالوا بلى) أي كنتم معنا في الظاهر (ولكنكم فتنتم أنفسكم) بالنفاق وإبطان الكفر. قال مجاهد: أهلكتموها بالنفاق، وقيل بالشهوات واللذات (وتربصتم) بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وبمن معه من المؤمنين حوادث الدهر، وقيل تربصتم بالتوبة، والأول أولى (وارتبتم) أي شككتم في أمر الدين ولم تصدقوا ما نزل من القرآن ولا بالمعجزات الظاهرة (وغرتكم الأماني) الباطلة التي من جملتها ما كنتم فيه من التربص، وقيل هو طول الأمل، وقيل ما كانوا يتمنونه من ضعف المؤمنين. وقال قتادة: الأماني هنا غرور الشيطان،