أم نحن المقدرون المصورون له، وأم هي المتصلة، وقيل هي المنقطعة، والأول أولى. قرأ الجمهور " تمنون " بضم الفوقية من أمنى يمنى. وقرأ ابن عباس وأبو السماك ومحمد بن السميفع والأشهب العقيلي بفتحها من منى يمنى، وهما لغتان، وقيل معناهما مختلف، يقال أمنى إذا أنزل عن جماع، ومنى إذا أنزل عن احتلام، وسمى المنى منيا لأنه يمنى: أي يراق (نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين) قرأ الجمهور " قدرنا " بالتشديد، وقرأ مجاهد وحميد وابن محيصن وابن كثير بالتخفيف، وهما لغتان، يقال قدرت الشئ وقدرته: أي قسمناه عليكم ووقتناه لكل فرد من أفرادكم، وقيل قضينا، وقيل كتبنا، والمعنى متقارب. قال مقاتل: فمنكم من يموت كبيرا ومنكم من يموت صغيرا. وقال الضحاك: معناه أنه جعل أهل السماء وأهل الأرض فيه سواء - وما نحن بمسبوقين - بمغلوبين، بل قادرين (على أن نبدل أمثالكم) أي نأتي بخلق مثلكم. قال الزجاج: إن أردنا أن نخلق خلقا غيركم لم يسبقنا سابق ولا يفوتنا. قال ابن جرير: المعنى نحن قدرنا بينكم الموت على أن نبدل أمثالكم بعد موتكم بآخرين من جنسكم وما نحن بمسبوقين في آجالكم: أي لا يتقدم متأخر ولا يتأخر متقدم (وننشئكم فيما لا تعلمون) من الصور والهيئات. قال الحسن: أي نجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بأقوام قبلكم، وقيل المعنى: ننشئكم في البعث على غير صوركم في الدنيا. وقال سعيد بن المسيب: فيما لا تعلمون: يعنى في حواصل طيور سود تكون ببرهوت كأنها الخطاطيف. وبرهوت واد باليمن. وقال مجاهد (فيما لا تعلمون) يعنى في أي خلق شئنا، ومن كان قادرا على هذا فهو قادر على البعث (ولقد علمتم النشأة الأولى) وهي ابتداء الخلق من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة ولم تكونوا قبل ذلك شيئا. وقال قتادة والضحاك: يعنى خلق آدم من تراب (فلولا تذكرون) أي فهلا تذكرون قدرة الله سبحانه على النشأة الأخيرة وتقيسونها على النشأة الأولى. قرأ الجمهور " النشأة " بالقصر، وقرأ مجاهد والحسن وابن كثير وأبو عمرو بالمد، وقد مضى تفسير هذا في سورة العنكبوت (أفرأيتم ما تحرثون) أي أخبروني ما تحرثون من أرضكم فتطرحون فيه البذر (أأنتم تزرعونه) أي تنبتونه وتجعلونه زرعا فيكون فيه السنبل والحب (أم نحن الزارعون) أي المنبتون له الجاعلون له زرعا لا أنتم. قال المبرد: يقال زرعه الله: أي أنماه، فإذا أقررتم بهذا فكيف تنكرون البعث (لو نشاء جعلناه حطاما) أي لو نشاء لجعلنا ما تحرثون حطاما: أي متحطما متكسرا، والحطام: الهشم الذي لا ينتفع به ولا يحصل منه حب ولا شئ مما يطلب من الحرث (فظلتم تفكهون) أي صرتم تعجبون. قال الفراء: تفكهون تتعجبون فيما نزل بكم في زرعكم. قال في الصحاح: وتفكه تعجب.
ويقال تندم. قال الحسن وقتادة وغيرهما: معنى الآية: تعجبون من ذهابها وتندمون مما حل بكم. وقال عكرمة:
تلامون وتندمون على ما سلف منكم من معصية الله. وقال أبو عمرو والكسائي: هو التلهف على ما فات. قرأ الجمهور " فظلتم " بفتح الظاء مع لام واحدة. وقرأ أبو حيوة وأبو بكر في رواية عنه بكسر الظاء. وقرأ ابن عباس والجحدري " فظللتم " بلامين: أولاهما مكسورة على الأصل، وروى عن الجحدري فتحها، وهي لغة.
وقرأ الجمهور " تفكهون " وقرأ أبو حزام العكلي " تفكنون " بالنون مكان الهاء: أي تندمون. قال ابن خالويه:
تفكه تعجب. وتفكن تندم. وفي الصحاح التفكن التندم (إنا لمغرمون) قرأ الجمهور بهمزة واحدة على الخبر، وقرأ أبو بكر والمفضل وزر بن حبيش بهمزتين على الاستفهام، والجملة بتقدير القول: أي تقولون إنا لمغرمون:
أي ملزمون غرما بما هلك من زرعنا، والمغرم الذي ذهب ماله بغير عوض، قاله الضحاك وابن كيسان. وقيل المعنى: إنا لمعذبون، قاله قتادة وغيره. وقال مجاهد وعكرمة: لمولع بنا، ومنه قول النمر بن تولب: