في رأسه، وقيل معنى لا يصدعون لا يتفرقون كما يتفرق الشراب، ويقوى هذا المعنى قراءة مجاهد " يصدعون " بفتح الياء وتشديد الصاد، والأصل يتصدعون: أي يتفرقون، والجملة مستأنفة لبيان ما أعد الله لهم من النعيم، أو في محل نصب على الحال، وجملة (ولا ينزفون) معطوفة على الجملة التي قبلها، وقد تقدم اختلاف القراء في هذا الحرف في سورة الصافات، وكذلك تقدم تفسيره: أي لا يسكرون فتذهب عقولهم، من أنزف الشارب: إذا نفذ عقله أو شرابه، ومنه قول الشاعر:
لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم * لبئس الندامى كنتم آل أبجرا (وفاكهة مما يتخيرون) أي يختارونه، يقال: تخيرت الشئ: إذا أخذت خيره. قرأ الجمهور " وفاكهة " بالجر (و) كذا (لحم) عطفا على أكواب: أي يطوفون عليهم بهذه الأشياء المأكول والمشروب والمتفكه به. وقرأ زيد ابن علي وأبو عبد الرحمن برفعهما على الابتداء، والخبر مقدر: أي ولهم فاكهة ولحم، ومعنى (مما يشتهون) مما يتمنونه وتشتهيه أنفسهم (وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون) قرأ الجمهور " حور عين " برفعهما عطفا على ولدان أو على تقدير مبتدأ: أي نساؤهم حور عين، أو على تقدير خبر: أي ولهم حور عين، وقرأ حمزة والكسائي:
بجرهما عطفا على أكواب. قال الزجاج: وجائز أن يكون معطوفا على جنات: أي هم في جنات وفي حور على تقدير مضاف محذوف: أي وفي معاشرة حور. قال الفراء: في توجيه العطف على أكواب إنه يجوز الجر على الاتباع في اللفظ وإن اختلفا في المعنى، لأن الحور لا يطاف بهن، كما في قول الشاعر:
إذا ما الغانيات برزن يوما * وزججن الحواجب والعيونا والعين لا تزجج وإنما تكحل، ومن هذا قول الشاعر: علفتها تبنا وماء باردا وقول الآخر:
متقلدا سيفا ورمحا قال قطرب: هو معطوف على الأكواب والأباريق من غير حمل على المعنى. قال:
ولا ينكر أن يطاف عليهم بالحور: ويكون لهم في ذلك لذة. وقرأ الأشهب العقيلي والنخعي وعيسى بن عمر بنصبهما على تقدير إضمار فعل، كأنه قيل: ويزوجون حورا عينا، أو ويعطون، ورجح أبو عبيد وأبو حاتم قراءة الجمهور. ثم شبههن سبحانه باللؤلؤ المكنون، وهو الذي لم تمسه الأيدي ولا وقع عليه الغبار، فهو أشد ما يكون صفاء، وانتصاب جزاء في قوله (جزاء بما كانوا يعملون) على أنه مفعول له: أي يفعل بهم ذلك كله للجزاء بأعمالهم. ويجوز أن يكون مصدرا مؤكدا لفعل محذوف: أي يجزون جزاء، وقد تقدم تفسير الحور العين في سورة الطور وغيرها (لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما) اللغو الباطل من الكلام، والتأثيم النسبة إلى الإثم. قال محمد بن كعب: لا يؤثم بعضهم بعضا، وقال مجاهد: لا يسمعون شتما ولا مأثما، والمعنى: أنه لا يقول بعضهم لبعضهم أثمت لأنهم لا يتكلمون بما فيه إثم (إلا قيلا سلاما سلاما) القيل القول، والاستثناء منقطع: أي لكن يقولون قيلا، أو يسمعون قيلا، وانتصاب سلاما سلاما على أنه بدل من قيلا، أو صفة له، أو هو مفعول به لقيلا: أي إلا أن يقولوا سلاما سلاما، واختار هذا الزجاج، أو على أنه منصوب بفعل هو محكى بقيلا: أي إلا قيلا سلموا سلاما سلاما، والمعنى في الآية: أنهم لا يسمعون إلا تحية بعضهم لبعض. قال عطاء: يحيى بعضهم بعضا بالسلام، وقيل إن الاستثناء متصل وهو بعيد، لأن التحية ليست مما يندرج تحت اللغو والتأثيم، قرئ " سلام سلام " بالرفع. قال مكي: ويجوز الرفع على معنى سلام عليكم مبتدأ وخبر.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله (إذا