عدي بن بداء، وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام، فأتيا الشام لتجارتهما. وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له بديل بن أبي مريم بتجارة، ومعه جام من فضة يريد به الملك وهو عظم تجارته، فمرض فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله، قال تميم: فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم ثم اقتسمناه أنا وعدي ابن بداء، فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا، وفقدوا الجام فسألونا عنه، فقلنا: ما ترك غير هذا، أو ما دفع إلينا غيره، قال تميم: فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة تأثمت من ذلك فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأديت إليهم خمسمائة درهم وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها، فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسألهم البينة فلم يجدوا. فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه، فحلف فأنزل الله (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم) إلى قوله (أن ترد أيمان بعد أيمانهم) فقام عمرو بن العاص ورجل آخر فحلفا، فنزعت الخمسمائة درهم من عدي بن بداء. وفى إسناده أبو النضر، وهو محمد بن السائب الكلبي صاحب التفسير، قال الترمذي: بركة أهل العلم بالحديث. وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والنحاس والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء، فمات السهمي بأرض ليس فيها مسلم، فأوصى إليهما، فلما قدما بتركته فقدوا جاما من فضة مخوصا بالذهب، فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالله ما كتمتماها ولا اطلعتما، ثم وجدوا الجام بمكة فقيل: اشتريناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وإن الجام لصاحبهم، وأخذوا الجام، قال: وفيهم نزلت (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم) الآية، وفى إسناده محمد بن أبي القاسم الكوفي، قال الترمذي: قيل إنه صالح الحديث، وقد روى ذلك أبو داود من طريقه. وقد روى جماعة من التابعين أن هذه القصة هي سبب في نزول الآية، وذكرها المفسرون في تفاسيرهم. وقال القرطبي:
إنه أجمع أهل التفسير على أن هذه القصة هي سبب نزول الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم) الآية قال: هذا لمن مات وعنده المسلمون أمره الله أن يشهد على وصيته عدلين مسلمين، ثم قال (أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض) فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين أمر الله بشهادة رجلين من غير المسلمين، فإن ارتيب بشهادتهما استحلفا بالله بعد الصلاة ما اشتريا بشهادتهما ثمنا قليلا، فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا في شهادتهما، وثم رجلان من الأولياء فحلفا بالله أن شهادة الكافرين باطلة، فذلك قوله، (فإن عثر على أنهما استحقا إثما) يقول: إن اطلع على أن الكافرين كذبا (ذلك أدنى أن) يأتي الكافران (بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم) فتترك شهادة الكافرين ويحكم بشهادة الأولياء، فليس على شهود المسلمين أقسام: إنما الأقسام إذا كانا كافرين. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود أنه سئل عن هذه الآية فقال: هذا رجل خرج مسافرا ومعه مال فأدركه قدره، فإن وجد رجلين من المسلمين دفع إليهما تركته وأشهد عليهما عدلين من المسلمين، فإن لم يجد عدلين من المسلمين فرجلين من أهل الكتاب، فإن أدى فسبيل ما أدى، وإن جحد استحلف بالله الذي لا إله إلا هو دبر صلاة إن هذا الذي دفع إلي وما غيبت منه شيئا، فإذا حلف برئ، فإذا أتى بعد ذلك صاحبا الكتاب فشهدا عليه، ثم ادعى القوم عليه من تسميتهم ما لهم جعلت أيمان الورثة مع شهادتهم ثم اقتطعوا حقه، فذلك الذي يقول الله (اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم). وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله (أو آخران من غيركم) قال: من