وبالوصية وبحالة عدم الشهود المسلمين، ولا تعارض بين عام وخاص. قوله (إن أنتم) هو فاعل فعل محذوف يفسره ضربتم، أو مبتدأ وما بعده خبره، والأول مذهب الجمهور من النحاة، والثاني مذهب الأخفش والكوفيين.
والضرب في الأرض هو السفر. وقوله (فأصابتكم مصيبة الموت) معطوف على ما قبله وجوابه محذوف، أي إن ضربتم في الأرض فنزل بكم الموت وأردتم الوصية ولم تجدوا شهودا عليها مسلمين، ثم ذهبا إلى ورثتكم بوصيتكم وبما تركتم فارتابوا في أمرهما وادعوا عليهما خيانة، فالحكم أن تحبسوهما، ويجوز أن يكون استئنافا لجواب سؤال مقدر، كأنهم قالوا: فكيف نصنع إن ارتبنا في الشهادة؟ فقال: تحبسونهما من بعد الصلاة إن ارتبتم في شهادتهما.
وخص بعد الصلاة: أي صلاة العصر، قاله الأكثر لكونه الوقت الذي يغضب الله على من حلف فيه فاجرا كما في الحديث الصحيح، وقيل لكونه وقت اجتماع الناس وقعود الحكام للحكومة، وقيل صلاة الظهر، وقيل أي صلاة كانت. قال أبو علي الفارسي (تحبسونهما) صفة لآخران، واعترض بين الصفة والموصوف بقوله (إن إن أنتم ضربتم في الأرض)، والمراد بالحبس: توقيف الشاهدين في ذلك الوقت لتحليفهما، وفيه دليل على جواز الحبس بالمعنى العام، وعلى جواز التغليظ على الحالف بالزمان والمكان ونحوهما. قوله (فيقسمان بالله) معطوف على (تحبسونهما) أي يقسم بالله الشاهدان على الوصية أو الوصيان.
وقد استدل بذلك ابن أبي ليلى على تحليف الشاهدين مطلقا إذا حصلت الريبة في شهادتهما، وفيه نظر لأن تحليف الشاهدين هنا إنما هو لوقوع الدعوى عليهما بالخيانة أو نحوها. قوله (إن ارتبتم) جواب هذا الشرط محذوف دل عليه ما تقدم كما سبق. قوله (لا نشتري به ثمنا) جواب القسم، والضمير في (به) راجع إلى الله تعالى. والمعنى: لا نبيع حظنا من الله تعالى بهذا العرض النزر، فنحلف به كاذبين لأجل المال الذي ادعيتموه علينا، وقيل يعود إلى القسم: أي لا نستبدل بصحة القسم بالله عرضا من أعراض الدنيا، وقيل يعود إلى الشهادة، وإنما ذكر الضمير لأنها بمعنى القول: أي لا نستبدل بشهادتنا ثمنا، قال الكوفيون: المعنى ذا ثمن، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وهذا مبنى على أن العروض لا تسمى ثمنا، وعند الأكبر أنها تسمى ثمنا كما تسمى مبيعا. قوله (ولو كان ذا قربى) أي ولو كان المقسم له أو المشهود له قريبا فإنا نؤثر الحق والصدق، ولا نؤثر العرض الدنيوي ولا القرابة، وجواب لو محذوف لدلالة ما قبله عليه: أي ولو كان ذا قربى لا نشتري به ثمنا. قوله (ولا نكتم شهادة الله) معطوف على (لا نشتري) داخل معه في حكم القسم، وأضاف الشهادة إلى الله سبحانه لكونه الآمر بإقامتها والناهي عن كتمها. قوله (فإن عثر على أنهما استحقا إثما) عثر على كذا: اطلع عليه، يقال عثرت منه على خيانة: أي اطلعت وأعثرت غيري عليه، ومنه قوله تعالى - وكذلك أعثرنا عليهم - وأصل العثور الوقوع والسقوط على الشئ، ومنه قول الأعشى:
بذات لوث عصرناه إذ عثرت * فالتعس أولى لها من أن أقول لعا والمعنى: أنه إذا اطلع بعد التحليف على أن الشاهدين أو الوصيين استحقا إثما: أي استوجبا إثما إما بكذب في الشهادة أو اليمين أو بظهور خيانة. قال أبو علي الفارسي: الإثم هنا اسم الشئ المأخوذ، لأن آخذه يأثم بأخذه، فسمي إثما كما سمى ما يؤخذ بغير حق مظلمة. وقال سيبويه: المظلمة اسم ما أخذ منك فكذلك سمى هذا المأخوذ باسم المصدر. قوله (فآخران يقومان مقامهما) أي فشاهدان آخران أو فحالفان آخران يقومان مقام اللذين عثر على أنهما استحقا إثما فيشهدان أو يحلفان على ما هو الحق، وليس المراد أنهما يقومان مقامهما في أداء الشهادة التي شهدها المستحقان للإثم. قوله (من الذين استحق عليهم الأوليان) استحق مبني للمفعول، في قراءة