الجمهور: وقرأ علي وأبي وابن عباس وحفص على البناء للفاعل. و (الأوليان) على القراءة الأولى مرتفع على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي هما الأوليان، كأنه قيل من هما؟ فقيل هما الأوليان، وقيل هو بدل من الضمير في يقومان أو من آخران. وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والأولين: جمع أول على أنه بدل من الذين، أو من الهاء والميم في عليهم. وقرأ الحسن " الأولان ". والمعنى على بناء الفعل للمفعول: من الذين استحق عليهم الإثم: أي جنى عليهم، وهم أهل الميت وعشيرته فإنهم أحق بالشهادة أو اليمين من غيرهم، فالأوليان تثنية أولى. والمعنى على قراءة البناء للفاعل: من الذين استحق عليهم الأوليان من بينهم بالشهادة أن يجردوهما للقيام بالشهادة ويظهروا بهما كذب الكاذبين لكونهما الأقربين إلى الميت، فالأوليان فاعل استحق ومفعوله أن يجردوهما للقيام بالشهادة، وقيل المفعول محذوف، والتقدير: من الذين استحق عليهم الأوليان بالميت وصيته التي أوصى بها. قوله (فيقسمان بالله) عطف على (يقومان): أي فيحلفان بالله لشهادتنا: أي يميننا، فالمراد بالشهادة هنا اليمين، كما في قوله تعالى - فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله - أي يحلفان لشهادتنا على أنهما كاذبان خائنان أحق من شهادتهما: أي من يمينهما على أنهما صادقان أمينان (وما اعتدينا) أي تجاوزنا الحق في يميننا (إنا إذا لمن الظالمين) إن كنا حلفنا على باطل. قوله (ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها) أي ذلك البيان الذي قدمه الله سبحانه في هذه القصة وعرفنا كيف يصنع من أراد الوصية في السفر؟ ولم يكن عنده أحد من أهله وعشيرته وعنده كفار أدنى: أي أقرب إلى أن يؤدى الشهود المتحملون للشهادة على الوصية بالشهادة على وجهها فلا يحرفوا ولا يبدلوا ولا يخونوا وهذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر المنفعة والفائدة في هذا الحكم الذي شرعه الله في هذا الموضع من كتابه، فالضمير في (يأتوا) عائد إلى شهود الوصية من الكفار، وقيل إنه راجع إلى المسلمين المخاطبين بهذا الحكم. والمراد تحذيرهم من الخيانة، وأمرهم بأن يشهدوا بالحق. قوله (أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم) أي ترد على الورثة فيحلفون على خلاف ما شهد به شهود الوصية فيفتضح حينئذ شهود الوصية، وهو معطوف على قوله (أن يأتوا) فتكون الفائدة في شرع الله سبحانه لهذا الحكم هي أحد الأمرين: إما احتراز شهود الوصية عن الكذب والخيانة فيأتون بالشهادة على وجهها. أو يخافوا الافتضاح إذا ردت الأيمان على قرابة الميت فحلفوا بما يتضمن كذبهم أو خيانتهم فيكون ذلك سببا لتأدية شهادة شهود الوصية على وجهها من غير كذب ولا خيانة. وقيل إن (يخافوا) معطوف على مقدر بعد الجملة الأولى، والتقدير: ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ويخافوا عذاب الآخرة بسبب الكذب والخيانة أو يخافوا الافتضاح برد اليمين، فأي الخوفين وقع حصل المقصود (واتقوا الله) في مخالفة أحكامه (والله لا يهدى القوم الفاسقين) الخارجين عن طاعته بأي ذنب، ومنه الكذب في اليمين أو الشهادة.
وحاصل ما تضمنه هذا المقام من الكتاب العزيز أن من حضرته علامات الموت أشهد على وصيته عدلين من عدول المسلمين، فإن لم يجد شهودا مسلمين، وكان في سفر، ووجد كفارا جاز له أن يشهد رجلين منهم على وصيته، فإن ارتاب بهما ورثة الموصى حلفا بالله على أنهما شهدا بالحق وما كتما من الشهادة شيئا ولا خانا مما تركه الميت شيئا، فإن تبين بعد ذلك خلاف ما أقسما عليه من خلل في الشهادة أو ظهور شئ من تركة الميت زعما أنه قد صار في ملكهما بوجه من الوجوه حلف رجلان من الورثة وعمل بذلك.
وقد أخرج الترمذي وضعفه، وابن جرير وابن أبي حاتم والنحاس في تاريخه، وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة من طريق أبي النضر وهو الكلبي، عن باذان مولى أم هانئ عن ابن عباس، عن تميم الداري في هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت) قال: برئ الناس منها غيري وغير