ادعائك النبوة ودعوتك إلى التوحيد، وقيل كان صالح يعيب آلهتهم وكانوا يرجون رجوعه إلى دينهم، فلما دعاهم إلى الله قالوا انقطع رجاؤنا منك، والاستفهام في قوله (أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا) للإنكار أنكروا عليه هذا النهي، وأن نعبد في محل نصب بحذف الجار: أي بأن نعبد، ومعنى ما يعبد آباؤنا: ما كان يعبد آباؤنا، فهو حكاية حال ماضية لاستحضار الصورة (وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب) من أربته فأنا أريبه: إذا فعلت به فعلا يوجب له الريبة، وهي قلق النفس وانتفاء الطمأنينة، أو من أراب الرجل: إذا كان ذار ريبة، والمعنى: إننا لفي شك مما تدعونا إليه من عبادة الله وحده وترك عبادة الأوثان موقع في الريب (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي) أي حجة ظاهرة وبرهان صحيح (وآتاني منه) أي من جهته (رحمة) أي نبوة، وهذه الأمور وإن كانت متحققة الوقوع، لكنها صدرت بكلمة الشك اعتبارا بحال المخاطبين، لأنهم في شك من ذلك، كما وصفوه عن أنفسهم (فمن ينصرني من الله) استفهام معناه النفي: أي لا ناصر لي يمنعني من عذاب الله (إن عصيته) في تبليغ الرسالة وراقبتكم وفترت عما يجب علي من البلاغ (فما تزيدونني) بتثبيطكم إياي (غير تخسير) بأن تجعلوني خاسرا بإبطال عملي، والتعرض لعقوبة الله لي. قال الفراء: أي تضليل وإبعاد من الخير، وقيل المعنى: فما تزيدونني باحتياجكم بدين آبائكم غير بصيرة بخسارتكم. قوله (ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية) قد مر تفسير هذه الآية في الأعراف، ومعنى لكم آية: معجزة طاهرة، وهي منتصبة على الحال، ولكم في محل نصب على الحال من آية مقدمة عليها، ولو تأخرت لكانت صفة لها، وقيل إن ناقة الله بدل من هذه، والخبر لكم، والأول أولى، وإنما قال " ناقة الله " لأنه أخرجها لهم من جبل على حسب اقتراحهم، وقيل من صخرة صماء (فذروها تأكل في أرض الله) أي دعوها تأكل في أرض الله مما فيها من المراعي التي تأكلها الحيوانات. قال أبو إسحاق الزجاج: ويجوز رفع تأكل على الحال والاستئناف، ولعله يعني في الأصل على ما تقتضيه لغة العرب لا في الآية، فالمعتمد القراءات المروية على وجه الصحة (ولا تمسوها بسوء) قال الفراء: بعقر، والظاهر أن النهي عما هو أعم من ذلك (فيأخذكم عذاب قريب) جواب النهي: أي قريب من عقرها، وذلك ثلاثة أيام (فعقروها) أي فلم يمتثلوا الأمر من صالح ولا النهي، بل خالفوا كل ذلك فوقع منهم العقر لها (فقال) لهم صالح (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام) أي تمتعوا بالعيش في منازلكم ثلاثة أيام، فإن العقاب نازل عليكم بعدها، قيل إنهم عقروها يوم الأربعاء، فأقاموا الخميس والجمعة والسبت وأتاهم العذاب يوم الأحد، والإشارة بقوله (ذلك) إلى ما يدل عليه الأمر بالتمتع ثلاثة أيام (وعد غير مكذوب) أي غير مكذوب فيه، فحذف الجار اتساعا، أو من باب المجاز كأن الوعد إذا وفي به صدق ولم يكذب، ويجوز أن يكون مصدرا: أي وعد غير كذب (فلما جاء أمرنا) أي عذابنا، أو أمرنا بوقوع العذاب (نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا) قد تقدم تفسير هذا في قصة هود (ومن خزي يومئذ) أي ونجيناهم من خزي يومئذ وهو هلاكهم بالصيحة، والخزي: الذل والمهانة، وقيل من عذاب يوم القيامة، والأول أولى. وقرأ نافع والكسائي بفتح يوم على أنه اكتسب البناء من المضاف إليه. وقر الباقون بالكسر (إن ربك هو القوي العزيز) القدر الغالب الذي لا يعجزه شئ (وأخذ الذين ظلموا الصيحة أي في اليوم الرابع من عقر الناقة، صيح بهم فماتوا، وذكر الفعل لأن الصيحة والصياح واحد مع كون التأنيث غير حقيقي، قيل صيحة جبريل، وقيل صيحة من السماء فتقطعت قلوبهم وماتوا، وتقدم في الأعراف - فأخذتهم الرجفة - قيل ولعلها وقعت عقب الصيحة (فأصبحوا في ديارهم جاثمين) أي ساقطين على وجوههم موتى قد لصقوا بالتراب كالطير إذا جثمت (كأن لم يغنوا فيها) أي كأنهم لم يقيموا في بلادهم أو ديارهم، والجملة
(٥٠٨)