المهدوي (ومن وراء إسحاق يعقوب) قرأ حمزة وابن عامر وحفص بنصب يعقوب على أنه مفعول فعل دل عليه فبشرناها، كأنه قال: ووهبنا لها من رواء إسحاق يعقوب. وأجاز الكسائي والأخفش وأبو حاتم أن يكون يعقوب في موضع جر. وقال الفراء: لا يجوز الجر إلا بإعادة حرفه. قال سيبويه: ولو قلت مررت بزيد أول من أمس، وأمس عمر كان قبيحا خبيثا، لأنك فرقت بين المجرور وما يشركه كما يفرق بين الجار والمجرور. وقرأ الباقون برفع يعقوب على أنه مبتدأ وخبره الظرف الذي قبله، وقيل الرفع بتقدير فعل محذوف: أي ويحدث لها، أو وثبت لها. وقد وقع التبشير هنا لها، ووقع لإبراهيم في قوله تعالى - فبشرناه بغلام حليم - وبشروه بغلام عليم -، لأن كل واحد منهما مستحق للبشارة به لكونه منهما، وجملة (قالت يا ويلتا) مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قالت؟ قال الزجاج: أصلها يا ويلتي، فأبدل من الياء ألف لأنها أخف من الياء والكسرة، وهي لم ترد الدعاء على نفسها بالويل، ولكنها كلمة تقع كثيرا على أفواه النساء إذا طرأ عليهن ما يعجبن منه، وأصل الويل:
الخزي، ثم شاع في كل أمر فظيع، والاستفهام في قولها (أألد وأنا عجوز) للتعجب: أي كيف ألد وأنا شيخة قد طعنت في السن، يقال عجزت تعجز مخففا ومثقلا عجزا وتعجيزا: أي طعنت في السن. ويقال عجوز وعجوزة، وأما عجزت بكسر الجيم: فمعناه عظمت عجيزتها، قيل كانت بنت تسع وتسعين، وقيل بنت تسعين (وهذا بعلي شيخا) أي وهذا زوجي إبراهيم شيخا لا تحبل من مثله النساء، وشيخا منتصب على الحال، والعامل فيه معنى الإشارة. قال النحاس: وفي قراءة أبي وابن مسعود شيخ بالرفع على أنه خبر المبتدأ، أو خبر بعد خبر، أو خبر مبتدأ محذوف، وعلى الأول يكون " بعلي " بدلا من اسم الإشارة، قيل كان إبراهيم ابن مائة وعشرين سنة، وقيل ابن مائة، وهذه المبشرة هي سارة امرأة إبراهيم. وقد كان ولد لإبراهيم من هاجر أمته إسماعيل، فتمنت سارة أن يكون لها ابن وأيست منه لكبر سنها، فبشرها الله به على لسان ملائكته (إن هذا لشئ عجيب) أي ما ذكرته الملائكة من التبشير بحصول الولد مع كونها في هذه السن العالية التي لا يولد لمثلها شئ يقضى منه العجب، وجملة (قالوا أتعجبين من أمر الله) مستأنفة جواب سؤال مقدر، والاستفهام فيها للإنكار: أي كيف تعجبين من قضاء الله وقدره، وهو لا يستحيل عليه شئ، وإنما أنكروا عليها مع كون ما تعجبت منه من خوارق العادة لأنها من بيت النبوة، ولا يخفى على مثلها أن هذا من مقدوراته سبحانه، ولهذا قالوا (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) أي الرحمة التي وسعت كل شئ والبركات وهي النمو والزيادة وقيل الرحمة: النبوة، والبركات: الأسباط من بني إسرائيل لما فيهم من الأنبياء، وانتصاب أهل البيت على المدح أو الاختصاص، وصرف الخطاب من صيغة الواحدة إلى الجمع لقصد التعميم (إنه حميد) أي يفعل موجبات حمده من عباده على سبيل الكثرة (مجيد) كثير الإحسان إلى عباده بما يفيضه عليهم من الخيرات، والجملة تعليل لقوله " رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ". قوله (فلما ذهب عن إبراهيم الروع) أي الخيفة التي أوجسها في نفسه، يقال ارتاع من كذا: إذا خاف، ومنه قول النابغة:
فارتاع من صوت كلاب فبات له * طوع الشوامت من خوف ومن حذر (وجاءته البشرى) أي بالولد، أو بقولهم لا تخف. قوله (يجادلنا في قوم لوط). قال الأخفش والكسائي: إن يجادلنا في موضع جادلنا، فيكون هو جواب لما، لما تقرر من أن جوابها يكون بالماضي لا بالمستقبل. قال النحاس: جعل المستقبل مكانه كما يجعل الماضي مكان المستقبل في الشرط، وقيل إن الجواب محذوف، ويجادلنا في موضع نصب على الحال قاله الفراء، وتقديره: فلما ذهب عنه الروع وجاءته البشرى اجترأ على خطابنا حال