وقد قال الله تعالى (وما هم بخارجين منها) فقال ابن عباس: ويحك، اقرأ ما فوقها هذه للكفار. قال الزمخشري في الكشاف بعد ذكره لهذا: إنه مما لفقته المجبرة، ويا لله العجب من رجل لا يفرق بين أصح الصحيح وبين أكذب الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يتعرض للكلام على ما لا يعرفه ولا يدرى ما هو قد تواترت الأحاديث تواترا لا يخفى على من له أدنى إلمام بعلم الرواية بأن عصاة الموحدين يخرجون من النار، فمن أنكر هذا فليس بأهل للمناظرة لأنه أنكر ما هو من ضروريات الشريعة، اللهم غفرا.
سورة المائدة الآية (38 - 40) لما ذكر سبحانه حكم من يأخذ المال جهارا وهو المحارب، عقبه بذكر من يأخذ المال خفية وهو السارق، وذكر السارقة مع السارق لزيادة البيان لأن غالب القرآن الاقتصار على الرجال في تشريع الأحكام. وقد اختلف أئمة النحو في خبر السارق والسارقة هل هو مقدر أم هو فاقطعوا؟ فذهب إلى الأول سيبويه، وقال تقديره: فيما فرض عليكم أو فيما يتلى عليكم السارق والسارقة: أي حكمهما. وذهب المبرد والزجاج إلى الثاني، ودخول الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط، إذ المعنى: الذي سرق والتي سرقت، وقرئ (والسارق والسارقة) بالنصب على تقدير اقطعوا، ورجح هذه القراءة سيبويه، قال: الوجه في كلام العرب النصب كما تقول زيدا اضربه، ولكن العامة أبت إلا الرفع، يعنى عامة القراء، والسرقة بكسر الراء اسم الشئ المسروق والمصدر من سرق يسرق سرقا قاله الجوهري: وهو أخذ الشئ في خفية من الأعين، ومنه استرق السمع، وسارقة النظر. قوله (فاقطعوا) القطع معناه الإبانة والإزالة، وجمع الأيدي لكراهة الجمع بين تثنيتين، وقد بينت السنة المطهرة أن موضع القطع الرسغ. وقال قوم: يقطع من المرفق. وقال الخوارج: من المنكب. والسرقة لابد أن تكون ربع دينار فصاعدا، و لابد أن تكون من حرز كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة. وقد ذهب إلى اعتبار الربع الدينار الجمهور. وذهب قوم إلى التقدير بعشرة دراهم. وذهب الجمهور إلى اعتبار الحرز. وقال الحسن البصري إذا جمع الثياب في البيت قطع. وقد أطال الكلام في بحث السرقة أئمة الفقه وشراح الحديث بما لا يأتي التطويل به ها هنا بكثير فائدة. قوله (جزاء بما كسبا) مفعول له: أي فاقطعوا للجزاء أو مصدر مؤكد لفعل محذوف: أي فجازوهما جزاء، والباء سببية، وما مصدرية: أي بسبب كسبهما، أو موصولة: أي جزاء بالذي كسباه من السرقة. وقوله (نكالا) بدل من جزاء، وقيل هو علة للجزاء: والجزاء علة للقطع، يقال نكلت به: إذا فعلت به ما يجب أن ينكل به عن ذلك الفعل. قوله (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح) السياق يفيد أن المراد بالظلم هنا السرقة:
أي فمن تاب من بعد سرقته وأصلح أمره (فإن الله يتوب عليه) ولكن اللفظ عام فيشمل السارق وغيره من المذنبين، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقد استدل بهذا عطاء وجماعة على أن القطع يسقط بالتوبة، وليس هذا الاستدلال بصحيح، لأن هذه الجملة الشرطية لا تفيد إلا مجرد قبول التوبة، وإن الله يتوب على من تاب، وليس فيها ما يفيد أنه لا قطع على التائب. وقد كان في زمن النبوة يأتي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من وجب