لمن بقى ولمن يأتي. وقيل إن الأول الأجل الذي هو محتوم، والثاني الزيادة في العمر لمن وصل رحمه، فإن كان برا تقيا وصولا لرحمه زيد في عمره، وإن كان قاطعا للرحم لم يزد له، ويرشد إلى هذا قوله تعالى - وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب -. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن صلة الرحم تزيد في العمر، وورد عنه أن دخول البلاد التي قد فشا بها الطاعون والوباء من أسباب الموت، وجاز الابتداء بالنكرة في قوله (وأجل مسمى عنده) لأنها قد تخصصت بالصفة. قوله (ثم أنتم تمترون) استبعاد لصدور الشك منهم مع وجود المقتضى لعدمه: أي كيف تشكون في البعث مع مشاهدتكم في أنفسكم من الابتداء والانتهاء ما يذهب بذلك ويدفعه، فإن من خلقكم من طين وصيركم أحياء تعلمون وتعقلون وخلق لكم هذه الحواس والأطراف، ثم سلب ذلك عنكم فصرتم أمواتا وعدتم إلى ما كنتم عليه من الجمادية. لا يعجزه أن يبعثكم ويعيد هذه الأجسام كما كانت، ويرد إليها الأرواح التي فارقتها بقدرته وبديع حكمته. قوله (وهو الله في السماوات وفى الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) قيل إن في السماوات وفى الأرض متعلق باسم الله باعتبار ما يدل عليه من كونه معبودا ومتصرفا ومالكا: أي هو المعبود أو المالك أو المتصرف في السماوات والأرض كما تقول: زيد الخليفة في الشرق والغرب: أي حاكم أو متصرف فيهما، وقيل المعنى: وهو الله يعلم سركم وجهركم في السماوات وفي الأرض فلا تخفى عليه خافية، فيكون العامل فيهما ما بعدهما. قال النحاس: وهذا من أحسن ما قيل فيه. وقال ابن جرير:
هو الله في السماوات ويعلم سركم وجهركم في الأرض. والأول أولى، ويكون " يعلم سركم وجهركم " جملة مقررة لمعنى الجملة الأولى، لأن كونه سبحانه في السماء والأرض يستلزم علمه بأسرار عباده وجهرهم، وعلمه بما يكسبونه من الخير والشر وجلب النفع ودفع الضرر.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن علي أن هذه الآية أعني الحمد لله إلى قوله (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) نزلت في أهل الكتاب. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه نحوه.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: نزلت هذه الآية في الزنادقة، قالوا: إن الله لم يخلق الظلمة ولا الخنافس ولا العقارب ولا شيئا قبيحا، وإنما يخلق النور وكل شئ حسن، فأنزلت فيهم هذه الآية. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس (وجعل الظلمات والنور) قال: الكفر والإيمان. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال: إن الذين بربهم يعدلون هم أهل الشرك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي مثله. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: (يعدلون) يشركون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) قال: الآلهة التي عبدوها عدلوها بالله، وليس لله عدل ولا ند، وليس معه آلهة ولا اتخذ صاحبة ولا ولدا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (هو الذي خلقكم من طين) يعنى آدم (ثم قضى أجلا) يعنى أجل الموت (وأجل مسمى عنده) أجل الساعة والوقوف عند الله. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عنه في قوله (ثم قضى أجلا) قال: أجل الدنيا، وفى لفظ أجل موته (وأجل مسمى عنده) قال: الآخرة لا يعلمه إلا الله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه (قضى أجلا) قال: هو اليوم يقبض فيه الروح ثم يرجع إلى صاحبه من اليقظة (وأجل مسمى عنده) قال: هو أجل موت الإنسان.