عودين، أو بفعل آدمي أو غيره، وقد كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة، فإذا ماتت أكلوها. (والموقوذة) هي التي تضرب بحجر أو عصا حتى تموت من غير تذكية، يقال وقذه يقذه وقذا فهو وقيذ، والوقذ شدة الضرب، وفلان وقيذ: أي مثخن ضربا، وقد كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك فيضربون الأنعام بالخشب لآلهتهم حتى تموت ثم يأكلونها، ومنه قول الفرزدق:
شغارة تقذ الفصيل برجلها * فطارة لقوادم الأظفار قال ابن عبد البر: واختلف العلماء قديما وحديثا في الصيد بالبندق والحجر والمعراض، ويعني بالبندق قوس البندقة، وبالمعراض السهم الذي لا ريش له أو العصا التي رأسها محدد، قال: فمن ذهب إلى أنه وقيذ لم يجزه إلا ما أدرك ذكاته على ما روى عن ابن عمر، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأصحابه والثوري والشافعي وخالفهم الشاميون في ذلك. قال الأوزاعي في المعراض كله خرق أو لم يخرق، فقد كان أبو الدرداء وفضالة بن عبيد وعبد الله بن عمر ومكحول لا يرون به بأسا. قال ابن عبد البر: هكذا ذكر الأوزاعي عن عبد الله بن عمر، والمعروف عن ابن عمر ما ذكر مالك عن نافع، قال: والأصل في هذا الباب والذي عليه العمل وفيه الحجة حديث عدي بن حاتم، وفيه " ما أصاب بعرضه فلا تأكل فإنه وقيذ " انتهى.
قلت: والحديث في الصحيحين وغيرهما عن عدي قال: " قلت يا رسول الله إني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب فقال: إذا رميت بالمعراض فخرق فكله، وإن أصاب بعرضه فإنما هو وقيذ فلا تأكله " فقد اعتبر صلى الله عليه وآله وسلم الخرق وعدمه، فالحق أنه لا يحل إلا ما خرق لا ما صدم، فلا بد من التذكية قبل الموت وإلا كان وقيذا.
وأما البنادق المعروفة الآن: وهي بنادق الحديد التي تجعل فيها البارود والرصاص ويرمى بها، فلم يتكلم عليها أهل العلم لتأخر حدوثها، فإنها لم تصل إلى الديار اليمنية إلا في المائة العاشرة من الهجرة، وقد سألني جماعة من أهل العلم عن الصيد بها إذا مات ولم يتمكن الصائد من تذكيته حيا. والذي يظهر لي أنه حلال أنها تخرق وتدخل في الغالب من جانب منه وتخرج من الجانب الآخر، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح السابق " إذا رميت بالمعراض فخرق فكله " فاعتبر الخرق في تحليل الصيد. قوله (والمتردية) هي التي تتردى من علو إلى أسفل فتموت من غير فرق بين أن تتردى من جبل أو بئر أو مدفن أو غيرها، والتردي مأخوذ من الردى وهو الهلاك وسواء تردت بنفسها أو ردها غيرها. قوله (والنطيحة) هي فعيلة بمعنى مفعولة، وهي التي تنطحها أخرى فتموت من دون تذكية. وقال قوم أيضا: فعيلة بمعنى فاعلة، لأن الدابتين تتناطحان فتموتان، وقال: نطيحة ولم يقل نطيح مع أنه قياس فعيل، لأن لزوم الحذف مختص بما كان من هذا الباب صفة لموصوف مذكور فإن لم يذكر ثبتت التاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية. وقرأ أبو ميسرة " والمنطوحة ". قوله (وما أكل السبع) أي ما افترسه ذو ناب كالأسد والنمر والذئب والضبع ونحوها، والمراد هنا ما أكل منه السبع، لأن ما أكله السبع كله قد فني، ومن العرب من يخص اسم السبع بالأسد، وكانت العرب إذا أكل السبع شاة، ثم خلصوها منه أكلوها، وإن ماتت ولم يذكوها. وقرأ الحسن وأبو حيوة " السبع " بسكون الباء، وهي لغة لأهل نجد، ومنه قول حسان في عتبة بن أبي لهب من يرجع العام إلى أهله * فما أكيل السبع بالراجع وقرأ ابن مسعود " وأكيلة السبع ". وقرأ ابن عباس " وأكيل السبع ". قوله (إلا ما ذكيتم) في محل نصب على الاستثناء المتصل عند الجمهور، وهو راجع على ما أدركت ذكائه من المذكورات سابقا، وفيه حياة، وقال المدنيون: وهو المشهور من مذهب مالك، وهو أحد قولي الشافعي أنه إذا بلغ السبع منها إلى مالا حياة معه فإنها