لا تؤكل. وحكاه في الموطأ عن زيد بن ثابت، وإليه ذهب إسماعيل القاضي، فيكون الاستثناء على هذا القول منقطعا: أي حرمت عليكم هذه الأشياء، لكن ما ذكيتم فهو الذي يحل ولا يحرم، والأول أولى. والذكاة في كلام العرب الذبح، قاله قطرب وغيره. وأصل الذكاة في اللغة: التمام: أي تمام استكمال القوة، والذكاء حدة القلب والذكاء سرعة الفطنة، والذكوة ما تذكى منه النار، ومنه أذكيت الحرب والنار: أوقدتهما، وذكاء اسم الشمس والمراد هنا: إلا ما أدركتم ذكاته على التمام، والتذكية في الشرع: عبارة عن إنهار الدم، وفري الأوداج في المذبوح والنحر. في المنحور والعقر في غير المقدور مقرونا بالقصد لله، وذكر اسمه عليه. وأما الآلة التي تقع بها الذكاة، فذهب الجمهور إلى أن كل ما أنهر الدم. وفري الأوداج فهو آلة للذكاة ما خلا السن والعظم، وبهذا جاءت الأحاديث الصحيحة. وقوله (وما ذبح على النصب) قال ابن فارس: النصب حجر كان ينصب فيعبد ويصب عليه دماء الذبائح، والنصائب حجارة تنصب حوالي شفير البئر فتجعل عضائد، وقيل النصب: جمع واحده نصاب، كحمار وحمر. وقرأ طلحة بضم النون وسكون الصاد. وروى عن أبي عمرو بفتح النون وسكون الصاد. وقرأ الجحدري بفتح النون والصاد، جعله اسما موحدا كالجبل والجمل، والجمع أنصاب كالأجبال والاجمال قال مجاهد: هي حجارة كانت حوالي مكة يذبحون عليها. قال ابن جريج: كانت العرب تذبح بمكة وتنضح بالدم ما أقبل من البيت ويشرحون اللحم ويضعونه عن الحجارة، فلما جاء الإسلام قال المسلمون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: نحن أحق أن نعظم هذا البيت بهذه الأفعال، فأنزل الله (وما ذبح على النصب) والمعنى: والنية بذلك تعظيم النصب لا أن الذبح عليها غير جائز، ولهذا قيل إن " على " بمعنى اللام: أي لأجلها. قاله قطرب، وهو على هذا داخل فيما أهل به لغير الله، وخص بالذكر لتأكيد تحريمه ولدفع ما كانوا يظنونه من أن ذلك لتشريف البيت وتعظيمه. قوله (وأن تستقسموا بالأزلام) معطوف على ما قبله: أي وحرم عليكم الاستقسام بالأزلام.
والأزلام قداح الميسر واحدها زلم، قال الشاعر:
* بات يقاسيها غلام كالزم * ليس براعي إبل ولا غنم * ولا بجزار على لحم وضم * وقال آخر * فلئن جذيمة قتلت ساداتها * فنساؤها يضربن بالأزلام والأزلام للعرب ثلاثة أنواع: أحدها مكتوب فيه افعل، والآخر مكتوب فيه لا تفعل، والثالث مهمل لا شئ عليه فيجعلها في خريطة معه، فإذا أراد فعل شئ أدخل يده وهي متشابهة فأخرج واحدا منها، فإن خرج الأول فعل ما عزم عليه، وإن خرج الثاني تركه، وإن خرج الثالث أعاد الضرب حتى يخرج واحد من الأولين. وإنما قيل لهذا الفعل استقسام لأنهم كانوا يستقسمون به الرزق وما يريدون فعله كما يقال استسقى: أي استدعى السقي، فالاستفهام: طلب القسم والنصيب. وجملة قداح الميسر عشرة، وقد قدمنا بيانها، وكانوا يضربون بها في المقامرة، وقيل إن الأزلام كعاب فارس والروم التي يتقامرون بها، وقيل هي الشطرنج، وإنما حرم الله والاستقسام، بالأزلام لأنه تعرض لدعوى علم الغيب وضرب من الكهانة. قوله (ذلكم فسق) إشارة إلى الاستقسام بالأزلام أو إلى جميع المحرمات المذكورة هنا. والفسق: الخروج عن الحد، وقد تقدم بيان معناه، وفى هذا وعيد شديد، لأن الفسق هو أشد الكفر لا ما وقع عليه اصطلاح قوم من أنه منزلة متوسطة بين الإيمان والكفر. قوله (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم) المراد اليوم الذي نزلت فيه الآية، وهو يوم فتح مكة لثمان بقين من رمضان سنة تسع وقيل، سنة ثمان، وقيل المراد باليوم الزمان الحاضر وما يتصل به، ولم يرد يوما معينا وبئس فيه لغتان ييس بياءين يأسا، وأيس يأيس إياسا وإياسة. قاله النضر بن شميل: أي حصل لهم اليأس من