لا تحلوا شعائر الله) الشعائر جمع شعيرة على وزن فعيلة. قال ابن فارس: ويقال للواحدة شعارة وهو أحسن، ومنه الإشعار للهدى. والمشاعر: المعالم، واحدها مشعر، وهي المواضع التي قد أشعرت بالعلامات، قيل المراد بها هنا جميع مناسك الحج: وقيل الصفا والمروة، والهدى والبدن. والمعنى على هذين القولين: لا تحلوا هذه الأمور بأن يقع منكم الإخلال بشئ منها أو بأن تحولوا بينها وبين من أراد فعلها. ذكر سبحانه النهي عن أن يحلوا شعائر الله عقب ذكره تحريم صيد المحرم، وقيل المراد بالشعائر هنا فرائض الله، ومنه - ومن يعظم شعائر الله -، وقيل هي حرمات الله، ولا مانع من حمل ذلك على الجميع اعتبارا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولا بما يدل عليه السياق.
قوله (ولا الشهر الحرام) المراد به الجنس، فيدخل في ذلك جميع الأشهر الحرم وهي أربعة، ذو القعدة، وذو الحجة ومحرم، ورجب: أي لا تحلوها بالقتال فيها، وقيل المراد به هنا شهر الحج فقط. قوله (ولا الهدى) هو ما يهدى إلى بيت الله من ناقة أو بقرة أو شاة، الواحدة هدية. نهاهم سبحانه عن أن يحلوا حرمة الهدى بأن يأخذوه على صاحبه أو يحولوا بينه وبين المكان الذي يهدى إليه، وعطف الهدى على الشعائر مع دخوله تحتها لقصد التنبيه على مزيد خصوصيته والتشديد في شأنه. قوله (ولا القلائد) جمع قلادة، وهي ما يقلد به الهدى من نعل أو نحوه.
وإحلالها بأن تؤخذ غصبا، وفي النهى عن إحلال القلائد تأكيد للنهي عن إحلال الهدى، وقيل المراد بالقلائد المقلدات بها، ويكون عطفه على الهدى لزيادة التوصية بالهدى، والأول أولى، وقيل المراد بالقلائد ما كان الناس يتقلدونه أمنة لهم، فهو على حذف مضاف: أي ولأصحاب القلائد. قوله (ولا آمين البيت الحرام) أي قاصديه من قولهم أممت كذا: أي قصدته. وقرأ الأعمش " ولا آمي البيت الحرام " بالإضافة. والمعنى: لا تمنعوا من قصد البيت الحرام لحج أو عمرة أو ليسكن فيه، وقيل إن سبب نزول هذه الآية أن المشركين كانوا يحجون ويعتمرون ويهدون فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم، فنزل (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله) إلى آخر الآية فيكون ذلك منسوخا بقوله - اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم -، وقوله - فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا -، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يحجن بعد العام مشرك ". وقال قوم: الآية محكمة وهي في المسلمين. قوله (يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا) جملة حالية من الضمير المستتر في (آمين) قال جمهور المفسرين: معناه يبتغون الفضل والأرباح في التجارة، ويبتغون مع ذلك رضوان الله، وقيل كان منهم من يطلب التجارة، ومنهم من يبتغي بالحج رضوان الله، ويكون هذا الابتغاء للرضوان بحسب اعتقادهم وفي ظنهم عند من جعل الآية في المشركين، وقيل المراد بالفضل هنا الثواب لا الأرباح في التجارة. قوله (وإذا حللتم فاصطادوا) هذا تصريح بما أفاده مفهوم (وأنتم حرم) أباح لهم الصيد بعد أن حظره عليهم لزوال السبب الذي حرم لأجله، وهو الإحرام. قوله (ولا يجرمنكم شنآن قوم) قال ابن فارس: جرم وأجرم ولا جرم بمعنى قولك لا بد ولا محالة، وأصلها من جرم أي كسب، وقيل المعنى:
لا يحملنكم قاله الكسائي وثعلب وهو يتعدى إلى مفعولين يقال جرمني كذا على بغضك: أي حملني عليه ومنه قول الشاعر:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة * جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا أي جملتهم على الغضب. وقال أبو عبيدة والفراء: معنى (لا يجرمنكم) لا يكسبنكم بغض قوم أن تعتدوا الحق إلى الباطل، والعدل إلى الجور والجريمة والجارم بمعنى الكاسب، ومنه قول الشاعر:
جريمة ناهض في رأس نيق * يرى لعظام ما جمعت صليبا معناه كاسب قوت. والصليب: الودك، ومنه قول الآخر:
يا أيها المشتكى عكلا وما جرمت * إلى القبائل من قتل وإيئاس *