والفعل رهب الله يرهبه: أي خافه. والرهبانية والترهب: التعبد في الصوامع. قال أبو عبيد: وقد يكون رهبان للواحد والجمع. قال الفراء: ويجمع رهبان إذا كان للمفرد رهبان ورهابين كقربان وقرابين. وقد قال جرير في الجمع * رهبان مدين لو رأوك ترهبوا * وقال الشاعر في استعمال رهبان مفردا:
لو أبصرت رهبان دير في الجبل * لانحدر الرهبان يسعى ونزل ثم وصفهم الله سبحانه بأنهم لا يستكبرون عن قول الحق، بل هم متواضعون، بخلاف اليهود فإنهم على ضد ذلك، وهذه الجملة معطوفة على الجملة التي قبلها (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول) معطوف على جملة (وأنهم لا يستكبرون). (تفيض من الدمع) أي تمتلئ فتفيض، لأن الفيض لا يكون إلا بعد الامتلاء، جعل الأعين تفيض، والفائض: إنما هو الدمع قصد للمبالغة كقولهم دمعت عينه. قال امرؤ القيس:
ففاضت دموع العين مني صبابة * على النحر حتى بل دمعي محملي قوله (مما عرفوا من الحق) من الأولى لابتداء الغاية، والثانية بيانية: أي كان ابتداء الفيض ناشئا من معرفة الحق، ويجوز أن تكون الثانية تبغيضية، وقرئ (ترى أعينهم) على البناء للمجهول. وقوله (يقولون ربنا آمنا) استئناف مسوق لجواب سؤال مقدر، كأنه قيل فما حالهم عند سماع القرآن؟ فقال (يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين) أي آمنا بهذا الكتاب النازل من عندك على محمد وبمن أنزلته عليه فاكتبنا مع الشاهدين على الناس يوم القيامة من أمة محمد أو مع الشاهدين بأنه حق، أو مع الشاهدين بصدق محمد وأنه رسولك إلى الناس. قوله (وما لنا لا نؤمن بالله) كلام مستأنف، والاستفهام للاستبعاد (ولنا) متعلق بمحذوف، و (لا نؤمن) في محل نصب في الحال، والتقدير: أي شئ حصل لنا حال كوننا لا نؤمن بالله وبما جاءنا من الحق؟ والمعنى: أنهم استبعدوا انتفاء الإيمان منهم مع وجود المقتضى له، وهو الطمع في إنعام الله، فالاستفهام والنفي متوجهان إلى القيد والمقيد جميعا كقوله تعالى - مالكم لا ترجون الله وقارا -، والواو في (ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين) للحال أيضا بتقدير مبتدأ: أي أي شئ حصل لنا غير مؤمنين ونحن نطمع في الدخول مع الصالحين؟
فالحال الأولى والثانية صاحبهما الضمير في (لنا) وعاملهما الفعل المقدر: أي حصل، ويجوز أن تكون الحال الثانية من الضمير في (نؤمن) والتقدير: وما لنا نجمع بين ترك الإيمان وبين الطمع في صحبة الصالحين. قوله (فأثابهم الله بما قالوا) الخ أثابهم على هذا القول مخلصين له معتقدين لمضمونه. قوله (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم) التكذيب بالآيات كفر فهو من باب عطف الخاص على العام. والجحيم: النار الشديدة الإيقاد، ويقال جحم فلان النار: إذا شدد إيقادها، ويقال أيضا لعين الأسد: جحمة لشدة اتقادها.
قال الشاعر: * والحرب لا تبقى لجاحمها التحيل والمزاح * وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله (ولتجدن أقربهم مودة) الآية قال هم الوفد الذين جاءوا مع جعفر وأصحابه من أرض الحبشة. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ما خلا يهودي بمسلم إلا هم بقتله " وفى لفظ " إلا حدث نفسه بقتله ". قال ابن كثير: وهو غريب جدا. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: ما ذكر الله به النصارى من خير فإنما يراد به النجاشي وأصحابه. وأخرج أبو الشيخ عنه قال: هم ناس من الحبشة آمنوا إذا جاءتهم مهاجرة المؤمنين فذلك لهم. وأخرج النسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن