الوجه من الخضوع والانكسار والهوان، والمعنى: أنه لا يعلو وجوههم غبرة ولا يظهر فيها هوان، وقيل القتر الكآبة، وقيل سواد الوجوه، وقيل هو دخان النار (أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) الإشارة إلى المتصفين بالصفات السابقة هم أصحاب الجنة الخالدون فيها المتنعمون بأنواع نعيمها (والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها) هذا الفريق الثاني من أهل الدعوة، وهو معطوف على (للذين أحسنوا) كأنه قيل وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، أو يقدر وجزاء الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها: أي يجازي سيئة واحدة بسيئة واحدة لا يزاد عليها، وهذا أولى من الأول لكونه من باب العطف على معمولي عاملين مختلفين، والمراد بالسيئة إما الشرك أو المعاصي التي ليست بشرك، وهي ما يتلبس به العصاة من المعاصي، قال ابن كيسان: الباء زائدة، والمعنى: جزاء سيئة مثلها، وقيل الباء مع ما بعدها الخبر، وهي متعلقة بمحذوف قامت مقامه، والمعنى: جزاء سيئة كائن بمثلها كقولك إنما أنا بك، ويجوز أن يتعلق بجزاء والتقدير جزاء سيئة بمثلها كائن فحذف خبر المبتدأ، ويجوز أن يكون (جزاء) مرفوعا على تقدير فلهم جزاء سيئة فيكون مثل قوله - فعدة من أيام أخر - أي فعليه عدة، والباء على هذا التقدير متعلقة بمحذوف كأنه قال لهم جزاء سيئة ثابت بمثلها، أو تكون مؤكدة أو زائدة. قوله (ترهقهم ذلة) أي يغشاهم هوان وخزي. وقرئ " يرهقهم " بالتحتية (ما لهم من الله من عاصم) أي لا يعصمهم أحد كائنا من كان من سخط الله وعذابه، أو ما لهم من جهة الله ومن عنده من يعصمهم كما يكون للمؤمنين، والأول أولى، والجملة في محل نصب على الحالية، أو مستأنفة (كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما) قطعا جمع قطعة، وعلى هذا يكون مظلما منتصبا على الحال من الليل: أي أغشيت وجوههم قطعا من الليل في حالة ظلمته. وقد قرأ بالجمع جمهور القراء. وقرأ الكسائي وابن كثير (قطعا) بإسكان الطاء، فيكون مظلما على هذا صفة لقطعا، ويجوز أن يكون حالا من الليل. قال ابن السكيت: القطع طائفة من الليل (أولئك) أي الموصوفون بهذه الصفات الذميمة (أصحاب النار هم فيها خالدون) وإطلاق الخلود هنا مقيد بما تواتر في السنة من خروج عصاة الموحدين:
قوله (ويوم نحشرهم جميعا) الحشر الجمع، وجميعا منتصب على الحال (ويوم) منصوب بمضمر: أي أنذرهم يوم نحشرهم، والجملة مستأنفة لبيان بعض أحوالهم القبيحة. والمعنى: أن الله سبحانه يحشر العابد والمعبود لسؤالهم (ثم نقول للذين أشركوا) في حالة الحشر ووقت الجمع تقريعا لهم على رؤوس الأشهاد، وتوبيخا لهم مع حضور من يشاركهم في العبادة وحضور معبوداتهم (مكانكم) أي الزموا مكانكم واثبتوا فيه وقفوا في موضعكم (أنتم وشركاؤكم) هذا الضمير تأكيد للضمير الذي في مكانكم لسده مسد الزموا، وشركاؤكم معطوف عليه. وقرئ بنصب شركاؤكم على أن الواو مع. قوله (فزيلنا بينهم): أي فرقنا وقطعنا ما كان بينهم من التواصل في الدنيا: يقال زينته فتزيل: أي فرقته فتفرق، والمزايلة المفارقة، يقال زايله مزايلة وزيالا إذا فارقه، والتزايل التباين قال الفراء: وقرأ بعضهم (فزايلنا) والمراد بالشركاء هنا الملائكة، وقيل الشياطين، وقيل الأصنام، وإن الله سبحانه ينطقها في هذا الوقت. وقيل المسيح، وعزير، والظاهر أنه كل معبود للمشركين كائنا ما كان، وجملة (وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون) في محل نصب على الحال بتقدير قد، والمعنى: وقد قال شركاؤهم الذين عبدوهم وجعلوهم شركاء لله سبحانه ما كنتم إيانا تعبدون، وإنما عبدتم هواكم وضلالكم وشياطينكم الذين أغووكم، وإنما أضاف الشركاء إليهم مع أنهم جعلوهم شركاء لله سبحانه، لكونهم جعلوا لهم نصيبا من أموالهم فهم شركاؤهم في أموالهم من هذا الحيثية، وقيل لكونهم شركاؤهم في هذا الخطاب، وهذا الجحد من الشركاء وإن كان مخالفا لما قد وقع من المشركين من عبادتهم، فمعناه إنكار عبادتهم إياهم عن أمرهم لهم بالعبادة (فكفى بالله شهيدا بينا وبينكم)