إن كنا أمرناكم بعبادتنا أو رضينا ذلك منكم (إن كنا عن عبادتكم لغافلين) إن هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، والقائل لهذا الكلام هم المعبودون. قالوا لمن عبدهم من المشركين: إنا كنا عن عبادتكم لنا لغافلين، والمراد بالغفلة هنا: عدم الرضا بما فعله المشركون من العبادة لهم، وفي هذا دليل على أن هؤلاء المعبودين غير الشياطين لأنهم يرضون بما فعله المشركون من عبادتهم، ويمكن أن يكونوا من الشياطين، ويحمل هذا الجحد منهم على أنهم لم يجبروهم على عبادتهم ولا أكرهوهم عليها (هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت) أي في ذلك المكان وفي ذلك الموقف، أو في ذلك الوقت على استعارة اسم الزمان للمكان تذوق كل نفس وتختبر جزاء ما أسلفت من العمل، فمعنى (تبلو) تذوق وتختبر، وقيل تعلم، وقيل تتبع، وهذا على قراءة من قرأ " تبلو " بالمثناة الفوقية بإسناد الفعل إلى كل نفس، وأما على قراءة من قرأ " نبلو " بالنون، فالمعنى: أن الله يبتلى كل نفس ويختبرها، ويكون ما أسلفت بدلا من كل نفس. والمعنى: أنه يعاملها معاملة من يختبرها ويتفقد أحوالها. قوله وردوا إلى الله مولاهم الحق) معطوف على (زيلنا)، والضمير في ردوا عائد إلى الذين أشركوا: أي ردوا إلى جزائه، وما أعد لهم من عقابه، ومولاهم: ربهم، والحق صفة له: أي الصادق الربوبية دون ما اتخذوه من المعبودات الباطلة، وقرئ " الحق " بالنصب على المدح كقولهم الحمد لله أهل الحمد (وضل عنهم ما كانوا يفترون) أي ضاع وبطل ما كانوا يفترون من أن الآلهة التي لهم حقيقة بالعبادة لتشفع لهم إلى الله وتقربهم إليه.
والحاصل أن هؤلاء المشركين يرجعون في ذلك المقام إلى الحق، ويعترفون به، ويقرون ببطلان ما كانوا يعبدونه ويجعلونه إلها، ولكن حين لا ينفعهم ذلك.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله (فاختلط به نبات الأرض) قال: اختلط فنبت بالماء كل لون (مما يأكل الناس) كالحنطة والشعير، وسائر حبوب الأرض والبقول والثمار، وما تأكله الأنعام والبهائم من الحشيش والمراعي. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله (وازينت) قال: أنبتت وحسنت، وفي قوله (كأن لم تغن بالأمس) قال: كأن لم تعش كأن لم تنعم.
وأخرج ابن جرير عن أبي بن كعب وابن عباس ومروان بن الحكم أنهم كانوا يقرءون بعد قوله (وظن أهلها أنهم قادرون عليها) وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه كان يقرأ وما أهلكناها إلا بذنوب أهلها (كذلك نفصل الآيات). وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن أبي مجلز قال: كان مكتوب في سورة يونس إلى حيث هذه الآية (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها) إلى (يتفكرون)، ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمني واديا ثالثا، ولا يشبع نفس ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب، فمحيت. وأخرج أبو نعيم والدمياطي في معجمه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله (والله يدعوا إلى دار السلام) يقول: يدعو إلى عمل الجنة. والله: السلام، والجنة: داره. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله (ويهدي من يشاء) قال: يهديهم للمخرج من الشبهات والفتن والضلالات. وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ما من يوم طلعت شمسه إلا وكل بجنبتيها ملكان يناديان نداء يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين:
يا أيها الناس هلموا إلى ربكم فما قل وكفى خير مما كثر وألهى، ولا آبت شمسه إلا وكل بجنبتيها ملكان يناديان نداء يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين: اللهم أعط منفقا خلفا، وأعط ممسكا تلفا - والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى