(بعضهم أولياء بعض) وما بعده بالتوارث، وأما من فسرها بالنصرة والمعونة فيجعل هذه الآية إخبارا منه سبحانه وتعالى بأن القرابات (بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) أي في حكمه أو في اللوح المحفوظ أو في القرآن، ويدخل في هذه الأولوية الميراث دخولا أوليا لوجود سببه، أعني القرابة (إن الله بكل شئ عليم) لا يخفى عليه شئ من الأشياء كائنا ما كان، ومن جملة ذلك ما تضمنته هذه الآيات.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله (إن الذين آمنوا وهاجروا) الآية قال: إن المؤمنين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ثلاث منازل، منهم المؤمن المهاجر المباين لقومه، وفي قوله (والذين آووا ونصروا) قال: آووا ونصروا وأعلنوا ما أعلن أهل الهجرة وشهروا السيوف على من كذب وجحد، فهذان مؤمنان جعل الله بعضهم أولياء بعض، وفي قوله (والذين آمنوا ولم يهاجروا) قال: كانوا يتوارثون بينهم إذا توفى المؤمن المهاجر بالولاية في الدين، وكان الذي آمن ولم يهاجر لا يرث من أجل أنه لم يهاجر ولم ينصر، فبرأ الله المؤمنين المهاجرين من ميراثهم، وهي الولاية التي قال (ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق) كان حقا على المؤمنين الذين آووا ونصروا إذا استنصروهم في الدين أن ينصروهم إن قوتلوا إلا أن يستنصروا على قوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم ميثاق، فلا نصر لهم عليهم إلا على العدو الذي لا ميثاق لهم، ثم أنزل الله بعد ذلك أن ألحق كل ذي رحم برحمه من المؤمنين الذين آمنوا (والذين آمنوا ولم يهاجروا) فجعل لكل إنسان من المؤمنين نصيبا مفروضا لقوله (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) الآية، وفي رواية لابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله (أولئك بعضهم أولياء بعض) قال: يعني في الميراث جعل الله الميراث للمهاجرين والأنصار دون الأرحام (والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ) ما لكم من ميراثهم من شئ (حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين) يعنى إن استنصر الأعراب المسلمون المهاجرين والأنصار على عدو لهم فعليهم أن ينصروهم إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق، فكانوا يعملون على ذلك حتى أنزل الله هذه الآية (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) فنسخت الآية التي قبلها، وصارت المواريث لذوي الأرحام. وأخرج أبو عبيد وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في هذه الآيات قال: كان المهاجر لا يتولى الأعرابي ولا يرثه وهو مؤمن، ولا يرث الأعرابي المهاجر، فنسختها هذه الآية (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عنه أيضا قال: قال رجل من المسلمين: لنورثن ذوي القربى منا من المشركين، فنزلت (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير). وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " المهاجرون بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة، والطلقاء من قريش، والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة ". وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن أسامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا يتوارث أهل ملتين، ولا يرث مسلم كافرا، ولا كافر مسلما، ثم قرأ (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) الآية ". وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن الزبير بن العوام قال: أنزل الله فينا خاصة معشر قريش (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا المدينة قدمنا ولا أموال لنا، فوجدنا الأنصار نعم الإخوان، فواخيناهم ووارثناهم فآخونا، فآخى أبو بكر خارجة بن زيد، وآخى عمر فلانا، وآخى عثمان بن عفان رجلا من بني زريق بن أسعد الزرقي، قال الزبير: وآخيت أنا كعب بن مالك، ووارثونا ووارثناهم، فلما