الله، لأن العلم المجرد يستوي فيه المؤمن والكافر انتهى. قوله (وما أنزلنا على عبدنا) معطوف على الاسم الجليل:
أي إن كنتم آمنتم بالله وبما أنزلنا، و (يوم الفرقان) يوم بدر، لأنه فرق بين أهل الحق وأهل الباطل (والجمعان) الفريقان من المسلمين والكافرين (والله على كل شئ قدير) ومن قدرته العظيمة نصر الفريق الأقل على الفريق الأكثر. قوله (إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى) قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بكسر العين في العدوة في الموضعين، وقرأ الباقون بالضم فيهما، و " إذ " بدل من يوم الفرقان، ويجوز أن يكون العامل محذوفا: أي واذكروا إذ أنتم. والعدوة: جانب الوادي، والدنيا: تأنيث الأدنى، والقصوى: تأنيث الأقصى، من دنا يدنو، وقصا يقصو، ويقال القصيا، والأصل الواو، وهي لغة أهل الحجاز، والعدوة الدنيا كانت مما يلي المدينة، والقصوى كانت مما يلي مكة. والمعنى: وقت نزولكم بالجانب الأدنى من الوادي إلى جهة المدينة، وعدوكم بالجانب الأقصى منه مما يلي مكة. وجملة (والركب أسفل منكم) في محل نصب على الحال، وانتصاب (أسفل) على الظرف، ومحله الرفع على الخبرية: أي والحال أن الركب في مكان أسفل من المكان الذي أنتم فيه وأجاز الأخفش والكسائي والفراء رفع أسفل على معنى أشد سفلا منكم والركب: جمع راكب، ولا تقول العرب ركب إلا للجماعة الراكبي الإبل، ولا يقال لمن كان على فرس وغيرها ركب، وكذا قال ابن فارس، وحكاه ابن السكيت عن أكثر أهل اللغة. والمراد بالركب هاهنا ركب أبي سفيان، وهي المراد بالعير، فإنهم كانوا في موضع أسفل منهم مما يلي ساحل البحر. قيل وفائدة ذكر هذه الحالة التي كانوا عليها من كونهم بالعدوة الدنيا وعدوهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منهم الدلالة على قوة شأن العدو وشوكته، وذلك لأن العدوة القصوى التي أناخ بها المشركون كان فيها الماء، وكانت أرضا لا يابس بها، وأما العدوة الدنيا فكانت رخوة تسوخ فيها الأقدام ولا ماء بها، وكانت العير وراء ظهر العدو مع كثرة عددهم، فامتن الله على المسلمين بنصرتهم عليهم والحال هذه. قوله (ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد) أي لو تواعدتم أنتم والمشركون من أهل مكة على أن تلتقوا في هذا الموضع للقتال لخالف بعضكم بعضا، فثبطكم قلتكم وكثرتهم عن الوفاء بالموعد وثبطهم ما في قلوبهم من المهابة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ولكن) جمع الله بينكم في هذا الموطن (ليقضى الله أمرا كان مفعولا) أي حقيقا بأن يفعل من نصر أوليائه وخذلان أعدائه وإعزاز دينه وإذلال الكفر، فأخرج المسلمين لأخذ العير وغنيمتها عند أنفسهم. وأخرج الكافرين للمدافعة عنها. ولم يكن في حساب الطائفتين أن يقع هذا الاتفاق على هذه الصفة، واللام في " ليقضى " متعلقة بمحذوف، والتقدير: جمعهم ليقضى، وجملة (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي) بدل من الجملة التي قبلها: أي ليموت من يموت عن بينة ويعيش عن بينة لئلا يبقى لأحد على الله حجة، وقيل الهلاك والحياة مستعاران للكفر والإسلام: أي ليصدر إسلام من أسلم عن وضوح بينة ويقين بأنه دين الحق، ويصدر كفر من كفر عن وضوح بينة لا عن مخالجة شبهة. قرأ نافع وخلف وسهل ويعقوب والبزي وأبو بكر (من حيى) بياءين على الأصل وقرأ الباقون بياء واحدة على الإدغام، وهي اختيار أبي عبيد لأنها كذلك وقعت في المصحف (وإن الله لسميع عليم) أي سميع بكفر الكافرين عليم به، وسميع بإيمان المؤمنين عليم به.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: ثم وضع مقاسم الفئ، فقال (واعلموا أنما غنمتم من شئ) بعد الذي كان مضى من بدر (فأن لله خمسه) إلى آخر الآية. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم عن قيس بن مسلم الجدلي قال: سألت الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب ابن الحنفية عن قول الله (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه) قال: