أي تصوت، ومنه مكت است الدابة: إذا نفخت بالريح، قيل المكاء: هو الصفير على لحن طائر أبيض بالحجاز يقال له المكاء. قال الشاعر:
إذا غرد المكاء في غير دوحة * فويل لأهل الشاء والحمرات والتصدية: التصفيق، يقال صدى يصدى تصدية: إذا صفق، ومنه قول عمر بن الأطنابة:
وظلوا جميعا لهم ضجة * مكاء لدى البيت بالتصدية أي بالتصفيق، وقيل المكاء: الضرب بالأيدي، والتصدية: الصياح، وقيل المكاء: إدخالهم أصابعهم في أفواههم، والتصدية: الصفير، وقيل التصدية: صدهم عن البيت، قيل والأصل على هذا تصددة فأبدل من إحدى الدالين ياء. ومعنى الآية: أن المشركين كانوا يصفرون ويصفقون عند البيت الذي هو موضع للصلاة والعبادة، فوضعوا ذلك موضع الصلاة قاصدين به أن يشغلوا المصلين من المسلمين عن الصلاة، وقرئ بنصب صلاتهم على أنها خبر كان، وما بعده اسمها. قوله (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) هذا التفات إلى مخاطبة الكفار تهديدا لهم ومبالغة في إدخال الروعة في قلوبهم، والمراد به: عذاب الدنيا كيوم بدر وعذاب الآخرة. قوله (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله) لما فرغ سبحانه من شرح أحوال هؤلاء الكفرة في الطاعات البدنية أتبعها شرح أحوالهم في الطاعات المالية. والمعنى: أن غرض هؤلاء الكفار في إنفاق أموالهم هو الصد عن سبيل الحق بمحاربة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجمع الجيوش لذلك، وإنفاق أموالهم عليها وذلك كما وقع من كفار قريش يوم بدر، ويوم أحد، ويوم الأحزاب، فإن الرؤساء كانوا ينفقون أموالهم على الجيش، ثم أخبر الله سبحانه عن الغيب على وجه الإعجاز فقال (فسينفقونها) أي سيقع منهم هذا الإنفاق (ثم تكون) عاقبة ذلك أن يكون إنفاقهم حسرة عليهم وكأن ذات الأموال تنقلب حسرة تصير ندما، (ثم) آخر الأمر (يغلبون) كما وعد الله به في مثل قوله - كتب الله لأغلبن أنا ورسلي -. ومعنى (ثم) في الموضعين إما التراخي في الزمان لما بين الإنفاق المذكور وبين ظهور دولة الإسلام من الامتداد، وإما التراخي في الرتبة لما بين بذل المال وعدم حصول المقصود من المباينة ثم قال (والذين كفروا إلى جهنم يحشرون) أي استمروا على الكفر، لأن من هؤلاء الكفار المذكورين سابقا ما أسلم وحسن إسلامه: أي يساقون إليها لا إلى غيرها، ثم بين العلة التي لأجلها فعل بهم ما فعله فقال (ليميز الله الخبيث) أي الفريق الخبيث من الكفار (من) الفريق (الطيب) وهم المؤمنون (ويجعل الخبيث بعضه على بعض) أي يجعل فريق الكفار الخبيث بعضه على بعض (فيركمه جميعا) عبارة عن الجمع والضم: أي يجمع بعضهم إلى بعض، ويضم بعضهم إلى بعض حتى يتراكموا لفرط ازدحامهم، يقال ركم الشئ يركمه: إذا جمعه وألقى بعضه على بعض، والإشارة بقوله (أولئك) إلى الفريق الخبيث (هم الخاسرون) أي الكاملون في الخسران، وقيل الخبيث والطيب: صفة للمال، والتقدير يميز المال الخبيث الذي أنفقه المشركون من المال الطيب الذي أنفقه المسلمون، فيضم تلك الأموال الخبيثة بعضها إلى بعض فيلقيه في جهنم ويعذبهم بها كما في قوله تعالى - فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم -. قال في الكشاف: واللام على هذا متعلقة بقوله (ثم تكون عليهم حسرة)، وعلى الأول بيحشرون، و (أولئك) إشارة إلى الذين كفروا انتهى.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) ثم استثنى أهل الشرك فقال (وما لهم ألا يعذبهم الله). وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله (وما لهم ألا يعذبهم الله) قال: عذابهم فتح مكة. وأخرج ابن إسحاق وأبو حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير (وما لهم ألا يعذبهم الله)