أبا سفيان بمكان كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا فاخرجوا إليه واكتموا، فكتب رجل من المنافقين إلى أبي سفيان إن محمدا يريدكم فخذوا حذركم، فأنزل الله (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول) الآية. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله بن أبي قتادة قال: نزلت هذه الآية (لا تخونوا الله والرسول) في أبي لبابة بن عبد المنذر سألوه يوم قريظة ما هذا الأمر؟ فأشار إلى حلقه أنه الذبح فنزلت. قال أبو لبابة: ما زالت قدماي حتى علمت أني خنت الله ورسوله. وأخرج سنيد وابن جرير عن الزهري نحوه بأطول منه. وأخرج عبد بن حميد عن الكلبي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث أبا لبابة إلى قريظة وكان حليفا لهم، فأومأ بيده أنه الذبح فنزلت. وأخرج أبو الشيخ عن السدي في هذه الآية أنها نزلت في أبي لبابة ونسختها الآية التي في براءة - وآخرون اعترفوا بذنوبهم - وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (لا تخونوا الله) قال: بترك فرائضه (والرسول) بترك سننه وارتكاب معصيته (وتخونوا أماناتكم) يقول: لا تنقصوها والأمانة: الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد. وأخرج ابن جرير عن المغيرة بن شعبة قال: نزلت هذه الآية في قتل عثمان، ولعل مراده أن من جملة ما يدخل تحت عمومها قتل عثمان. وأخرج أبو الشيخ عن يزيد بن أبي حبيب في الآية قال: هو الإخلال بالسلاح في المغازي، ولعل مراده أن هذا مما يندرج تحت عمومها. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال: ما منكم من أحد إلا وهو يشتمل على فتنة، لأن الله يقول (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) فمن استعاذ منكم فليستعذ بالله من مضلات الفتن. وأخرج هؤلاء عن ابن زيد في الآية قال: فتنة الإختبار اختبرهم، وقرأ - ولنبلونكم بالشر والخير فتنة -.
سورة الأنفال الآية (28 - 29) جعل سبحانه التقوى شرطا في الجعل المذكور مع سبق علمه بأنهم يتقون أو لا يتقون جريا على ما يخاطب به الناس بعضهم بعضا، والتقوى: اتقاء مخالفة أوامره والوقوع في مناهيه، والفرقان ما يفرق به بين الحق والباطل، والمعنى: أنه يجعل لهم من ثبات القلوب، وثقوب البصائر، وحسن الهداية ما يفرقون به بينهما عند الالتباس، وقيل الفرقان المخرج من الشبهات والنجاة من كل ما يخافونه، ومنه قول الشاعر:
مالك من طول الأسى فرقان * بعد قطين رحلوا وبانوا ومنه قول الآخر:
وكيف أرجى الخلد والموت طالبي * وما لي من كأس المنية فرقان وقال الفراء: المراد بالفرقان الفتح والنصر. قال ابن إسحاق: الفرقان الفصل بين الحق والباطل، وبمثله قال ابن زيد، وقال السدي: الفرقان النجاة، ويؤيد تفسير الفرقان بالمخرج والنجاة قوله تعالى - ومن يتق الله يجعل له مخرجا - وبه قال مجاهد ومالك بن أنس (ويكفر عنكم سيئاتكم) أي يسترها حتى تكون غير ظاهرة (ويغفر لكم) ما اقترفتم من الذنوب، وقد قيل إن المراد بالسيئات الصغائر، وبالذنوب التي تغفر الكبائر، وقيل المعنى أنه يغفر