اجتماع المثلين فأبدلوا ألف الأولى هاء. وقال الكسائي: أصله مه: أي اكفف ما تأتينا به من آية، وزيدت عليها " ما " الشرطية، وقيل هي كلمة مفردة يجازى بها، ومحل مهما الرفع على الابتداء، أو النصب بفعل يفسره ما بعدها، ومن آية لبيان مهما، وسموها آية استهزاء بموسى كما يفيده ما بعده، وهو (لتسحرنا بها) أي لتصرفنا عما نحن عليه كما يفعله السحرة بسحرهم، والضمير في به عائد إلى مهما، والضمير في بها عائد إلى آية، وقيل إنهما جميعا عائدان إلى مهما، وتذكير الأول باعتبار اللفظ، وتأنيث الثاني باعتبار المعنى (فما نحن لك بمؤمنين) جواب الشرط:
أي فما نحن لك بمصدقين: أخبروا عن أنفسهم أنهم لا يؤمنون بشئ مما يجئ به من الآيات التي هي في زعمهم من السحر، فعند ذلك نزلت بهم العقوبة من الله عز وجل المبينة بقوله (فأرسلنا عليهم الطوفان) وهو المطر الشديد.
قال الأخفش: واحدة طوفانة، وقيل هو مصدر كالرجحان والنقصان فلا واحد له، وقيل الطوفان: الموت.
وقال النحاس: الطوفان في اللغة ما كان مهلكا من موت أو سيل: أي ما يطيف بهم فيهلكهم (والجراد) هو الحيوان المعروف أرسله الله لأكل زروعهم فأكلها (والقمل) قيل: هي الدباء، والدباء الجراد قبل أن تطير، وقيل هي السوس، وقيل البراغيث، وقيل دواب سود صغار، وقيل ضرب من القردان، وقيل الجعلان. قال النحاس: يجوز أن تكون هذه الأشياء كلها أرسلت عليهم. وقرأ الحسن " القمل " بفتح القاف وإسكان الميم. وقرأ الباقون بضم القاف وفتح الميم مشددة. وقد فسر عطاء الخراساني " القمل " بالقمل (والضفادع) جمع ضفدع وهو الحيوان المعروف الذي يكون في الماء (والدم) روى أنه سال النيل عليهم دما، وقيل هو الرعاف. قوله (آيات مفصلات) أي مبينات، قال الزجاج: هو منصوب على الحال. والمعنى: أرسلنا عليهم هذه الأشياء حال كونها آيات بينات ظاهرات (فاستكبروا) أي ترفعوا عن الإيمان بالله (وكانوا قوما مجرمين) لا يهتدون إلى حق ولا ينزعون عن باطل. قوله (ولما وقع عليهم الرجز) أي العذاب بهذه الأمور التي أرسلها الله عليهم، وقرئ بضم الراء وهما لغتان، وقيل كان هذا الرجز طاعونا مات به من القبط في يوم واحد سبعون ألفا (قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك) أي بما استودعك من العلم، أو بما اختصك به من النبوة، أو بما عهد إليك أن تدعو به فيجيبك، والباء متعلقة بادع على معنى أسعفنا إلى ما نطلب من الدعاء بحق ما عندك من عهد الله، أو ادع لنا متوسلا إليه بعهده عندك، وقيل إن الباء للقسم، وجوابه لنؤمنن: أي أقسمنا بعهد الله عندك (لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك) على أن جواب الشرط سد مسد جواب القسم، وعلى أن الباء ليست للقسم تكون اللام في (لئن كشفت عنا الرجز) جواب قسم محذوف، و (لنؤمنن) جواب الشرط ساد مسد جواب القسم (ولنرسلن معك بني إسرائيل) معطوف على لنؤمنن، وقد كانوا حابسين لبني إسرائيل عندهم يمتهنونهم في الأعمال فوعدوه بإرسالهم معه (فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه) أي رفعنا عنهم العذاب عند أن رجعوا إلى موسى وسألوه بما سألوه، لكن لا رفعا مطلقا، بل رفعا مقيدا بغاية هي الأجل المضروب لإهلاكهم بالغرق، وجواب لما (إذا هم ينكثون) أي ينقضون ما عقدوه على أنفسهم، وإذا هي الفجائية: أي فاجئوا النكث وبادروه (فانتقمنا منهم) أي أردنا الانتقام منهم لما نكثوا بسبب ما تقدم لهم من الذنوب المتعددة (فأغرقناهم في اليم) أي في البحر، قيل هو الذي لا يدرك قعره، وقيل هو لجته وأوسطه، وجملة (بأنهم كذبوا بآياتنا) تعليل للإغراق (وكانوا عنها غافلين) معطوف على كذبوا: أي كانوا غافلين عن النقمة المدلول عليها بانتقمنا، أو عن الآيات التي لم يؤمنوا بها بل كذبوا بها وكانوا في تكذيبهم بمنزلة الغافلين عنها، والثاني أولى لأن الجملتين تعليل للإغراق.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود (ولقد أخذنا آل