وقرأ أهل الكوفة إلا الكسائي أرجه بسكون الهاء. قال الفراء: هي لغة للعرب يقفون على الهاء في الوصل، وأنكر ذلك البصريون، وقيل معنى أرجه: احبسه، وقيل هو من رجا يرجو: أي أطمعه ودعه يرجوك، حكاه النحاس عن محمد بن يزيد بن المبرد (وأرسل في المدائن حاشرين) أي أرسل جماعة حاشرين في المدائن التي فيها السحرة، وحاشرين مفعول أرسل، وقيل هو منصوب على الحال، و (يأتوك) جواب الأمر: أي يأتوك هؤلاء الذين أرسلتهم (بكل سحار عليم) أي بكل ماهر في السحر كثير العلم بصناعته، قرأ أهل الكوفة إلى عاصم " سحار " وقرأ من عداهم " ساحر ". قوله (وجاء السحرة فرعون) في الكلام طي: أي فبعث في المدائن حاشرين وجاء السحرة فرعون. قوله (قالوا إن لنا لأجرا) أي فلما جاءوا فرعون قالوا له إن لنا لأجرا، والجملة استئنافية جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: أي شئ قالوا له لما جاءوه؟ والأجر الجائزة والجعل، ألزموا فرعون أن يجعل لهم جعلا إن غلبوا موسى بسحرهم. قرأ نافع وابن كثير " إن لنا " على الإخبار، وقرأ الباقون " أئن لنا " على الاستفهام، استفهموا فرعون عن الجعل الذي سيجعله لهم على الغلبة، ومعنى الاستفهام التقرير. وأما على القراءة الأولى فكأنهم قاطعون بالجعل وأنه لا بد لهم منه، فأجابهم فرعون بقوله (نعم وإنكم لمن المقربين) أي إن لكم لأجرا وإنكم مع هذا الأجر المطلوب منكم لمن المقربين لدينا. قوله (قالوا يا موسى إما أن تلقى وإما أن نكون نحن الملقين) هذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فما قالوا لموسى بعد أن قال لهم فرعون نعم وإنكم لمن المقربين. والمعنى: أنهم خيروا موسى بين أن يبتدئ بإلقاء ما يلقيه عليهم أو يبتدئوه هم بذلك تأدبا معه وثقة من أنفسهم بأنهم غالبون وإن تأخروا، وأن في موضع نصب، قاله الكسائي والفراء: أي إما أن تفعل الإلقاء أو نفعله نحن. فأجابهم موسى بقوله (ألقوا) اختار أن يكونوا المتقدمين عليه بإلقاء ما يلقونه غير مبال بهم ولا هائب لما جاءوا به. قال الفراء:
في الكلام حذف. المعنى: قال لهم موسى إنكم لن تغلبوا ربكم ولن تبطلوا آياته، وقيل هو تهديد: أي ابتدئوا بالالقاء فستنظرون ما يحل بكم من الافتضاح والموجب لهذين التأويلين عند من قال بهما أنه لا يجوز على موسى أن يأمرهم بالسحر (فلما ألقوا) أي حبالهم وعصيهم (سحروا أعين الناس) أي قلبوها وغيروها عن صحة إدراكها بما جاءوا به من التمويه والتخييل الذي يفعله المشعوذون وأهل الخفة (واسترهبوهم) أي أدخلوا الرهبة في قلوبهم إدخالا شديدا (وجاءوا بسحر عظيم) في أعين الناظرين لما جاءوا به، وإن كان لا حقيقة له في الواقع. قوله (وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك) أمره الله سبحانه عند أن جاء السحرة بما جاءوا به من السحر أن يلقى عصاه (فإذا هي) أي العصا (تلقف ما يأفكون) قرأ حفص (تلقف) بإسكان اللام وتخفيف القاف من لقف يلقف.
وقرأ الباقون بفتح اللام وتشديد القاف من تلقف يتلقف، يقال لقفت الشئ وتلقفته: إذا أخذته أو بلغته. قال أبو حاتم: وبلغني في بعض القراءات تلقم بالميم والتشديد، قال الشاعر:
أنت عصا موسى التي لم تزل * تلقم ما يأفكه الساحر و " ما " في (ما يأفكون) مصدرية أو موصولة: أي إفكهم أو ما يأفكونه، سماه إفكا، لأنه لا حقيقة له في الواقع بل هو كذب وزور وتمويه وشعوذة (فوقع الحق) أي ظهر وتبين لما جاء به موسى (وبطل ما كانوا يعملون) من سحرهم: أي تبين بطلانه (فغلبوا) أي السحرة (هنالك) أي في الموقف الذي أظهروا فيه سحرهم (وانقلبوا) من ذلك الموقف (صاغرين) أذلاء مقهورين (وألقى السحرة ساجدين) أي خروا ساجدين كأنما ألقاهم ملق على هيئة السجود أو لم يتمالكوا مما رأوا فكأنهم ألقوا أنفسهم، وجملة (قالوا آمنا برب العالمين. رب موسى وهارون) مستأنفة جواب سؤال مقدر، كأنه قيل ماذا قالوا عند سجودهم أو في سجودهم، وإنما قالوا هذه المقالة وصرحوا