الظلم على الكفر لكون كفرهم بالآيات التي جاء بها موسى كان كفرا متبالغا لوجود ما يوجب الإيمان من المعجزات العظيمة التي جاءهم بها والمراد بالآيات هنا: هي الآيات التسع، أو معنى (فظلموا بها) ظلموا الناس بسببها لما صدوهم عن الإيمان بها، أو ظلموا أنفسهم بسببها (فانظر كيف كان عاقبة المفسدين) أي المكذبين بالآيات الكافرين بها وجعلهم مفسدين، لأن تكذيبهم وكفرهم من أقبح أنواع الفساد. قوله (وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين) أخبره بأنه مرسل من الله إليه وجعل ذلك عنوانا لكلامه معه، لأن من كان مرسلا من جهة من هو رب العالمين أجمعين فهو حقيق بالقبول لما جاء به كما يقول من أرسله الملك في حاجة إلى رعيته: أنا رسول الملك إليكم ثم يحكى ما أرسل به فإن في ذلك من تربية المهابة وإدخال الروعة ما لا يقادر قدره. قوله (حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق) قرئ حقيق على أن لا أقول: أي واجب علي ولازم لي أن لا أقول فيما أبلغكم عن الله إلا القول الحق، وقرئ (حقيق علي أن لا أقول) بدون ضمير في علي، قيل في توجيهه أن على معنى الباء: أي حقيق بأن لا أقول، ويؤيده قراءة أبي والأعمش فإنهما قرآ " حقيق بأن لا أقول "، وقيل إن (حقيق) مضمن معنى حريص، وقيل إنه لما كان لازما للحق كان الحق لازما له، فقول الحق حقيق عليه وهو حقيق على قول الحق، وقيل إنه أغرق في وصف نفسه في ذلك المقام حتى جعل نفسه حقيقة على قول الحق كأنه وجب على الحق أن يكون موسى هو قائله. وقرأ عبد الله بن مسعود " حقيق أن لا أقول " بإسقاط على، ومعناها واضح ثم قال: بعد هذا (قد جئتكم ببينة من ربكم) أي بما يتبين به صدقي وأني رسول من رب العالمين. وقد طوى هنا ذكر ما دار بينهما من المحاورة كما في موضع آخر أنه قال فرعون - فمن ربكما يا موسى - ثم قال بعد جواب موسى - وما رب العالمين - الآيات الحاكية لما دار بينهما. قوله (فأرسل معي بني إسرائيل) أمره بأن يدع بني إسرائيل يذهبون معه ويرجعون إلى أوطانهم وهي الأرض المقدسة. وقد كانوا باقين لديه مستعبدين ممنوعين من الرجوع إلى وطنهم والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فلما قال ذلك (قال) له فرعون (إن كنت جئت بآية) من عند الله كما تزعم (فائت بها) حتى نشاهدها وننظر فيها (إن كنت من الصادقين) في هذه الدعوى التي جئت بها. قوله (فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين) أي وضعها على الأرض فانقلبت ثعبانا: أي حية عظيمة من ذكور الحيات، ومعنى (مبين) أن كونها حية في تلك الحال أمر ظاهر واضح لا لبس فيه (ونزع يده) أي أخرجها وأظهرها من جيبه أو من تحت إبطه وفى التنزيل - وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء - قوله (فإذا هي بيضاء للناظرين) أي فإذا يده التي أخرجها بيضاء تتلألأ نورا يظهر لكل مبصر (قال الملأ) أي الأشراف (من قوم فرعون) لما شاهدوا انقلاب العصى حية، ومصير يده بيضاء من غير سوء (إن هذا) أي موسى (لساحر عليم) أي كثير العلم بالسحر ولا تنافى بين نسبة هذا القول إلى الملأ هنا وإلى فرعون في سورة الشعراء فكلهم قد قالوه، فكان ذلك مصححا لنسبته إليهم تارة وإليه أخرى، وجملة (يريد أن يخرجكم من أرضكم) وصف لساحر، والأرض المنسوبة إليهم هي أرض مصر: وهذا من كلام الملأ، وأما (فماذا تأمرون) فقيل هو من كلام فرعون، قال للملأ لما قالوا بما تقدم: أي بأي شئ تأمرونني، وقيل هو من كلام الملأ: أي قالوا لفرعون فبأي شئ تأمرنا وخاطبوه بما تخاطب به الجماعة تعظيما له كما يخاطب الرؤساء أتباعهم، وما في موضع نصب بالفعل الذي بعدها، ويجوز أن تكون ذا بمعنى الذي كما ذكره النحاة في ماذا صنعت، وكون هذا من كلام فرعون هو الأولى بدليل ما بعده وهو (قالوا أرجه وأخاه) قال الملأ جوابا لكلام فرعون حيث استشارهم وطلب ما عندهم من الرأي أرجه: أي أخره وأخاه يقال أرجأته وأرجيته: أخرته. قرأ عاصم والكسائي وحمزة وأهل المدينة " ارجه " بغير همز، وقرأ الباقون بالهمز
(٢٣١)