غيركم إن لم تجدوا شاهدين منكم. وقيل: معناه ذوا عدل من عشيرتكم، أو آخران من غير عشيرتكم، عن الحسن، والزهري، وعكرمة، والأصم. وقالوا: لأن عشيرة الموصي أعلم بأحواله من غيرهم، وأجدر أن لا ينسوا ما شهدوا عليه. وقالوا: لا يجوز شهادة كافر في سفر، ولا حضر، واختاره الزجاج.
وذهب جماعة إلى أن الآية كانت في شهادة أهل الذمة، فنسخت، وقد بين أبو عبيدة هذه الأقاويل، ثم قال: جل العلماء يتأولونها في أهل الذمة، ويرونها محكمة، ويقوي هذا القول تتابع الآثار في سورة المائدة بقلة المنسوخ، وأنها من محكم القران، وآخر ما نزل (إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت) ومعناه فأصابكم الموت، علم الله تعالى أن من الناس من يسافر فيصحبه في سفره أهل الكتاب، دون المسلمين، وينزل القرية التي لا يسكنها غيرهم، ويحضره الموت، فلا يجد من يشهده من المسلمين فقال (أو آخران من غيركم) أي: من غير دينكم، إن أنتم سافرتم، فأصابتكم مصيبة الموت، فالعدلان من المسلمين للحضر والسفر، إن أمكن إشهادهما في السفر، والذميان في السفر خاصة، إذا لم يوجد غيرهما.
ثم قال (تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم) المعنى تحبسونهما من بعد صلاة العصر، لان الناس كانوا يحلفون بالحجاز بعد صلاة العصر، لاجتماع الناس وتكاثرهم في ذلك الوقت، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام، وقتادة، وسعيد بن جبير، وغيرهم. وقيل: هي صلاة الظهر، أو العصر، عن الحسن. وقيل: بعد صلاة أهل دينهما: يعني الذميين، عن ابن عباس، والسدي، ومعنى (تحبسونهما): تقفونهما (1) كما تقول مر بي فلان على فرس فحبس على دابته، أي: وقفه. وقيل: معناه تصبرونهما على اليمين، وهو أن يحمل على اليمين، وهو غير متبرع بها، إن ارتبتم في شهادتهما، وشككتم، وخشيتم أن يكونا قد غيرا، أو بدلا، أو كتما وخانا، والخطاب في (تحبسونهما) للورثة.
ويجوز أن يكون خطابا للقضاة، ويكون بمعنى الامر أي: فاحبسوهما، ذكره ابن الأنباري، وكان يقف على قوله (مصيبة الموت) ويبتدي بقوله (تحبسونهما)،