الوصية، أو استحق عليهم الايصاء، هم عشيرة الميت. والضرب الآخر: أن يكون على فيه، بمنزلة من كأنه قال: من الذين استحق منهم الإثم، ومثل هذا قوله: (إذا اكتالوا على الناس) أي من الناس. والثالث: أن يكون على، بمنزلة في، كأنه استحق فيهم، وقام على مقام في، كما قام في مقام على في قوله (ولأصلبنكم في جذوع النخل) والمعنى من الذي استحق عليهم بشهادة الآخرين اللذين هما من غيرنا. وأقول إن هذا المعنى أيضا إنما يلائم الضرب الأول، والذي يلائم هذا الضرب أن يقال المعني من الذين استحق فيهم الاثم، أي بسببهم استحق الآخران من غيرنا اللذان خانا في الوصية فيهما الإثم بخيانتهما ويمينهما الكاذبة.
ثم قال أبو علي: فإن قلت هل يجوز أن يسند استحق إلى الأوليان؟ فالقول في ذلك: إنه لا يجوز، لان المستحق إنما يكون الوصية، أو شيئا منها، ولا يجوز أن يستحقا فيسندا استحق إليهما. وأما من قرأ: (من الذين استحق عليهم الأولين) على الجمع، فهو نعت لجميع الورثة المذكورين في قوله (من الذين استحق عليهم) تقديره من الأولين الذين استحق عليهم الإيصاء أو الإثم، وإنما قيل لهم (الأولين) من حيث كانوا أولين في الذكر، ألا ترى أنه قد تقدم (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم) وكذلك (اثنان ذوا عدل منكم) وذكرا في اللفظ قبل قوله (أو آخران من غيركم).
واحتج من قرأ الأولين على من قرأ الأوليان بأن قال: أرأيت إن كان الأوليان صغيرين أراد أنهما إن كانا صغيرين، لم يقوما مقام الكبيرين في الشهادة، ولم يكونا لصغرهما أولى بالميت، وإن كانا كبيرين كانا أولى به، فيقسمان بالله أي يقسم الآخران اللذان يقومان مقام الشاهدين اللذين هما آخران من غيرنا، وقوله:
(لشهادتنا أحق من شهادتهما) متلقى به، فيقسمان بالله. ومن قرأ (استحق عليهم الأوليان): فاستحق ههنا بمعنى حق أي: وجب، فالمعنى فآخران من الذين وجب عليهم الإيصاء بتوصية ميتهم، وهم ورثته. وقال أبو علي: تقديره من الذين استحق عليهم الأوليان بالميت، وصيته التي أوصى بها إلى غير أهل دينه، والمفعول محذوف، وحذف المفعول في نحو هذا كثير. وقال الإمام المحمود الزمخشري:
" معناه من الورثة الذين استحق عليهم الأوليان من بينهم بالشهادة أن يجردوهما، للقيام بالشهادة، ويظهروا بهما كذب الكاذبين ". وهذا أحسن الأقوال.