جبير: " من أتى هذا البيت يريد شيئا للدنيا والآخرة، أصابه " وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام.
وقال ابن عباس: " معناه جعل الله الكعبة أمنا للناس بها يقومون أي يأمنون ولولاها لفنوا وهلكوا، وما قاموا، وكان أهل الجاهلية يأمنون به، فلو لقي الرجل قاتل أبيه وابنه في الحرم ما قتله ". وقيل إن معنى قوله (قياما للناس) أنه لو تركوه عاما واحدا لا يحجونه ما نوظروا أن يهلكوا، عن عطاء، ورواه علي بن إبراهيم عنهم عليه السلام قال: (ما دامت الكعبة يحج الناس إليها لم يهلكوا، فإذا هدمت وتركوا الحج هلكوا " (والشهر الحرام) يعني الأشهر الحرم الأربعة واحد فرد، وثلاثة سرد أي: متتابعة، فالفرد رجب، والسرد ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وإنما خرج مخرج الواحد، لأنه ذهب به مذهب الجنس، وهو عطف على المفعول الأول لجعل كما يقال ظننت زيدا منطلقا وعمرا.
(والهدي والقلائد) مر ذكرهما في أول السورة، وإنما ذكر هذه الجملة بعد ذكر البيت، لأنها من أسباب حج البيت، فدخلت في جملته، فذكرت معه، وكان أهل الجاهلية لا يغزون في أشهر الحرم، وكانوا ينصلون فيها الأسنة، ويتفرغ الناس فيها إلى معائشهم، وكان الرجل يقلد بعيره أو نفسه قلادة من لحاء شجر الحرم، فلا يخاف، وكانوا قد توارثوه من دين إسماعيل عليه السلام، فبقوا عليه رحمة من الله لخلقه، إلى أن قام الاسلام، فحجزهم عن البغي والظلم.
وقال أبو بكر الأنباري: فقد حصل في الآية طريقان أحدهما: إن الله تعالى من على المسلمين بأن جعل الكعبة صلاحا لدينهم ودنياهم، وقياما لهم. والثاني: إنه أخبر عما فعله من أمر الكعبة في الجاهلية (ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وان الله بكل شئ عليم) قد اعترض على هذا فقيل: أي تعلق لهذا بقوله (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس)؟ والجواب عنه من وجوه أحدها:
إن فيما جعله الله تعالى في البلد الحرام، والشهر الحرام، من الآيات والأعاجيب، دلالة على أنه تعالى لا يخفى عليه شئ، وذلك أنه جعل الحرم أمنا يسكن فيه كل شئ، فالظبي يأنس فيه بالسبع والذئب ما دام في الحرم، فإذا خرج من الحرم خاف، وطلبه السبع، وهرب منه الظبي حتى يرجع إلى الحرم، فإذا رجع إليه كف السبع عنه، وكذلك الطير والحمام يأنس بالإنسان، فإذا خرج من الحرم،