الأخيرتين. وهذا الضرب قد اطرد فيه الاسكان، فقالوا: معدي كرب وقالي، وبادي بدا، فأسكنوا جميع ذلك.
المعنى: ثم أخبر الله تعالى بعظيم فريتهم، فقال: (وقالت اليهود يد الله مغلولة) أي: مقبوضة عن العطاء، ممسكة عن الرزق، فنسبوه إلى البخل، عن ابن عباس، وقتادة، وعكرمة، والضحاك، قالوا: إن الله كان قد بسط على اليهود حتى كانوا من أكثر الناس مالا، وأخصبهم ناحية، فلما عصوا الله في محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكذبوه، كف الله عنهم ما بسط عليهم من السعة، فقال عند ذلك فنحاص بن عاذورا (يد الله مغلولة)، ولم يقل إلى عنقه. قال أهل المعاني: إنما قال فنحاص ولم ينهه الآخرون، ورضوا بقوله، فأشركهم الله في ذلك. وقيل: معناه يد الله مكفوفة عن عذابنا، فليس يعذبنا إلا بما يبر به قسمه، قدر ما عبد آباؤنا العجل، عن الحسن.
وقيل: إنه استفهام، وتقديره أيد الله مغلولة عنا، حيث قتر المعيشة علينا (1). وقال أبو القاسم البلخي: يجوز أن يكون اليهود قالوا قولا، واعتقدوا مذهبا، يؤدي معناه إلى أن الله يبخل في حال، ويجود في حالة أخرى، فحكى عنهم ذلك على وجه التعجيب منهم، والتكذيب لهم. ويجوز أن يكونوا قالوا ذلك على وجه الهزؤ، من حيث لم يوسع على النبي، وعلى أصحابه.
وليس ينبغي أن يتعجب من قوم يقولون لموسى: (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) ويتخذون العجل إلها أن يقولوا: إن الله يبخل تارة، ويجود أخرى. وقال الحسين بن علي المغربي: حدثني بعض اليهود بمصر أن طائفة منهم قالت ذلك.
(غلت أيديهم) قيل فيه أقوال أحدها: إنه على سبيل الإخبار، أي: غلت أيديهم في جهنم، عن الحسن، واختاره الجبائي، ومعناه شدت إلى أعناقهم، وتأويله أنهم جوزوا على هذا القول بهذا الجزاء، فعلى هذا يكون في الكلام ضمير الفاء، أو الواو، وتقديره فغلت أيديهم، أو وغلت، لان كلامهم قد تم، واستؤنف بعده كلام آخر، ومن عاداتهم أنهم يحذفون فيما يجري هذا المجرى، ومن ذلك قوله (وإذ قال موسى لقومه يا قوم إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا) والمراد فقالوا: لان كلام موسى قد تم. وثانيها: أن يكون القول خرج مخرج الدعاء، كما يقال: قاتله الله، عن أبي مسلم. وعلى هذا فيكون معناه تعليمنا