كالتوحيد والشرائع، فلما اختلفت الرسائل، حسن أن تجمع، كما حسن أن تجمع أسماء الأجناس إذا اختلفت. ألا ترى أنك تقول: رأيت تمورا كثيرة، نظرت في علوم كثيرة، فتجمع هذه الأسماء إذا أردت ضروبها، كما تجمع غيرها من الأسماء.
وحجة من أفرد هذه الأسماء أنها تدل على الكثرة، وإن لم تجمع، كما تدل الألفاظ المصوغة للجمع. فمما يدل على ذلك قوله: (لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا) فوقع الاسم الشائع على الجميع، كما يقع على الواحد، فكذلك الرسالة.
الاعراب: (أرسل) فعل يتعدى إلى مفعولين، ويتعدى إلى الثاني منهما بالجار، كقوله (إنا أرسلنا نوحا إلى قومه وأرسلناه إلى مائة ألف). ويجوز الاقتصار على أحدهما دون الآخر، كقوله (ثم أرسلنا رسلنا تترى) و (إنا أرسلناك شاهدا) وقال: (فأرسل إلى هارون) فعدى إلى الثاني. والأول مقدر في المعنى، وقال:
فأرسلها العراك ولم يذدها * ولم يشفق على نغص الدخال (1) المعنى خلى بين هذه الإبل وبين شربها، ولم يمنعها من ذلك، وأنشد أبو زيد:
لعمري لقد جاءت رسالة مالك * إلى جسد بين العوائد مختبل (2) والرسالة هنا بمعنى الإرسال. والمصدر في تقدير الإضافة إلى الفاعل.
والمفعول الأول في التقدير محذوف، كما كان في قوله (فأرسل إلى هارون) محذوفا، والتقدير رسالة المالك زيدا إلى جسد، والجار والمجرور في موضع نصب بكونه مفعولا ثانيا. والمعنى: إلى ذي جسد، لان الرسالة لم تأت الجسد دون سائر المرسل إليه، وهذا مثل قوله (وبعد عطائك المائة الرتاعا) في وضعه العطاء موضع الاعطاء، والرسول يكون بمعنى الرسالة، ويكون بمعنى المرسل، فأما كونه بمعنى الرسالة: فكقول الشاعر:
لقد كذب الواشون ما بحت عنهم * بسر ولا أرسلتهم برسول (3)