ألا طرقت مي هيوما بذكرها * وأيدي الثريا جنح في المغارب (1) وأصل هذه الاستعارة لثعلبة بن صعير في قوله (ألقت ذكاء يمينها في كافر) (2) فجعل للشمس يدا في المغيب، لما أراد أن يصفها بالغروب، ثم للبيد في قوله:
حتى إذا ألقت يدا في كافر * وأجن عورات الثغور ظلامها (3) وقد يستعار اليد في مواضع كثيرة يطول ذكرها، ولما كان الجواد ينفق باليد، والبخيل يمسك باليد، عن الانفاق، أضافوا الجود والبخل إلى اليد، فقالوا للجواد مبسوط اليد، وبسط البنان، فياض الكف، وللبخيل كز الأصابع، مقبوض الكف، جعل الأنامل، في أشباه لهذا كثيرة معروفة في أشعارهم.
وأنكر الزجاج على من ذهب إلى أن معنى اليد في الآية: النعمة، بأن قال:
إن هذا ينقضه قوله: (بل يداه مبسوطتان) فيكون المعنى: بل نعمتاه مبسوطتان، ونعم الله أكثر من أن تحصى. قال أبو علي الفارسي: قوله: نعمتاه مبسوطتان، لا يدل على تقليل النعمة، وعلى أن نعمته نعمتان ثنتان، ولكنه يدل على الكثرة والمبالغة، فقد جاء بالتثنية، ويراد به الكثرة والمبالغة، وتعداد الشئ لا المعنى الذي يشفع الواحد المفرد، ألا ترى إلى قولهم: لبيك إنما هو إقامة على طاعتك بعد إقامة، وكذلك سعديك إنما هو مساعدة بعد مساعدة، وليس المراد بذلك طاعتين اثنتين، ولا مساعدتين، فكذلك المعنى في الآية إن نعمه متظاهرة متتابعة، فهذا وجه. وإن شئت حملت المثنى على أنه تثنية جنس، لا تثنية واحد مفرد، ويكون أحد جنسي النعمة نعمة الدنيا، والآخر نعمة الآخرة، أو نعمة الدين، فلا يكون التثنية على هذا مرادا بها اثنتين. وقد جاء تثنية اسم الجنس في كلامهم مجيئا واسعا، قال الفرزدق:
وكل رفيقي كل رحل وإن هما * تعاطى القنا قوما هما أخوان (4)