قلت: علمت أن تقول، لم يحسن حتى تأتي بما يكون عوضا نحو: قد، ولا، والسين، وسوف، كما في قوله: (علم أن سيكون منكم مرضى): فإن قلت قد جاء (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) فلم يدخل بين أن، وليس، شئ، فإنما جاء هذا لان ليس ليس بفعل على الحقيقة.
وأما قوله (كثير منهم) فيرتفع من ثلاثة أوجه أحدها: أن يكون بدلا من الواو في عموا وصموا. والثاني: أن يكون خبر مبتدأ محذوف، كأنه قال: ذو العمى والصمم كثير منهم والثالث: أن يكون على لغة أكلوني البراغيث، وعليه قول الشاعر:
يلومونني في اشتراء النخيل * أهلي فكلهم يعذل وقال الفرزدق:
ألقيتا عيناك عند الققا * أولى فأولى لك ذا واقية وقال الهذلي:
ولكن ديافي أبوه وأمه * بحوران يعصرن السليط أقاربه (1) المعنى: ثم أقسم سبحانه بأنه أخذ عليهما الميثاق فقال (لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل) يريد الأيمان المؤكدة التي أخذها أنبياؤهم عليهم في الإيمان بمحمد، والاقرار به. وقيل: أخذ ميثاقهم على الاخلاص في التوحيد، والعمل بما أمر به، والانتهاء عما نهى عنه، والتصديق برسله، والبشارة بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، ووجه الاحتجاج عليهم بذلك وإن كان أخذ الميثاق على آبائهم، أنهم عرفوا ذلك في كتبهم، وأقروا بصحته. فالحجة لازمة لهم، وعتب المخالفة يلحقهم، كما يلحق آباءهم (وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم) أي: مما لا تهوى أنفسهم، أي: بما لا يوافق مرادهم (فريقا كذبوا وفريقا يقتلون) أي: كذبوا طائفة، وقتلوا طائفة.
فإن قيل: لم عطف المستقبل على الماضي؟ فجوابه ليدل على أن ذلك من شأنهم، ففيه معنى كذبوا وقتلوا، ويكذبون ويقتلون، مع أن قوله يقتلون فاصلة،