وتوفيقنا على الدعاء عليهم، كما علمنا الاستثناء في غير هذا الموضع، بقوله:
(لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين). وثالثها: إن معناه جعلوا بخلاء، ألزموا البخل، فهم أبخل قوم. فلا يلفى يهودي أبدا غير لئيم بخيل، عن الزجاج (ولعنوا بما قالوا) أي: أبعدوا عن رحمة الله وثوابه، بسبب هذه المقالة، وقيل:
عذبوا في الدنيا بالجزية، وفي الآخرة بالنار، عن الحسن.
ثم رد الله عليهم بضد مقالتهم فقال (بل يداه مبسوطتان) أي: ليس الامر على ما وصفوه، بل هو جواد، فليس لذكر اليد هنا معنى غير إفادة معنى الجود، وإنما قال: (يداه) على التثنية، مبالغة في معنى الجود والإنعام، لان ذلك أبلغ فيه من أن يقول بل يده مبسوطة ويمكن أن يكون المراد باليد النعمة، ويكون الوجه في تثنية النعمة أنه أراد نعم الدنيا، ونعم الآخرة، لأن الكل، وان كانت نعم الله، فمن حيث اختص كل منهما بصفة تخالف صفة الآخر، كأنهما جنسان ويمكن أن يكون تثنية النعمة أنه أريد بهما النعم الظاهرة والباطنة، كما قال تعالى: (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة). وقيل: إن المراد باليدين القوة والقدرة، عن الحسن. ومعناه قوتاه بالثواب والعقاب مبسوطتان، بخلاف قول اليهود: إن يده مقبوضة عن عذابنا.
(ينفق كيف يشاء) معناه يعطي كيف يشاء من يشاء من عباده، ويمنع من يشاء من عباده، لأنه متفضل بذلك، فيفعل على حسب المصلحة (وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا) أي: سيزدادون عند إنزال القرآن إليك طغيانا وكفرا، ويريد بالكثير منهم: المقيمين على الكفر. وإنما ازدادوا كفرا لأنه كلما أنزل الله حكما وأخبرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم به، جحدوه وازدادوا بذلك طغيانا، وهو التمادي والمجاوزة عن الحد، وكفرا انضم إلى كفرهم، وهذا كما يقول القائل: وعظتك فكانت موعظتي وبالا عليك، وما زادتك إلا شرا، على معنى أنك ازددت عندها شرا، وذلك مشهور في الاستعمال (وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) أي بين اليهود والنصارى، عن الحسن، ومجاهد. وقيل: يريد به اليهود خاصة، وقد مر تفسيره في أول السورة عند قوله (فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة).
(كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله) أي: لحرب محمد، عن الحسن، ومجاهد. وفي هذا دلالة ومعجزة لان الله أخبره فوافق خبره المخبر، فقد كانت اليهود