وألفوه أكثر مما اعتادوا في غيره (وما أهل لغير الله به): موضع (ما) رفع، وتقديره وحرم عليكم ما أهل لغير الله به، وقد ذكرنا معناه في سورة البقرة، وفيه دلالة على أن ذبائح من خالف الاسلام لا يجوز أكله، لأنهم يذكرون عليه اسم غير الله، لأنهم يعنون به من أبد شرع موسى، أو اتحد بعيسى، أو اتخذه ابنا، وذلك غير الله.
فأما من أظهر الاسلام، ودان بالتجسيم، والتشبيه، والجبر، وخالف الحق، فعن دنا لا يجوز أكل ذبيحته، وفيه خلاف بين الفقهاء (والمنخنقة) وهي التي يدخل رأسها بين شعبتين من شجرة، فتنخنق وتموت، عن السدي. وقيل: هي التي تخنق بحبل الصائد، فتموت، عن الضحاك، وقتادة. وقال ابن عباس: كان أهل الجاهلية يخنقونها فيأكلونها (والموقوذة) وهي التي تضرب حتى تموت، عن ابن عباس، وقتادة، والسدي.
(والمتردية) وهي التي تقع من جبل، أو مكان عال، أو تقع في بئر فتموت، عن ابن عباس، وقتادة، والسدي. ومتى وقع في بئر، ولا يقدر على تذكيته، جاز أن يطعن ويضرب بالسكين في غير المذبح، حتى يبرد، ثم يؤكل (والنطيحة) وهي التي ينطحها غيرها، فتموت. (وما أكل السبع) أي: وحرم عليكم ما أكله السبع، بمعنى قتله السبع، وهي فريسة السبع، عن ابن عباس، وقتادة، والضحاك. (إلا ما ذكيتم، يعني: إلا ما أدركتم ذكاته فذكيتموه، من هذه الأشياء. وموضع (ما) نصب بالاستثناء وروي عن السيدين الباقر والصادق عليهما السلام: إن أدنى ما يدرك به الذكاة، أن تدركه يتحرك أذنه، أو ذنبه، أو تطرف عينه، وبه قال الحسن، وقتادة، وإبراهيم، وطاوس، والضحاك، وابن زيد. واختلف في الاستثناء إلى ماذا يرجع، فقيل: إلى جميع ما تقدم ذكره من المحرمات، سوى ما لا يقبل الذكاة من الخنزير والدم، عن علي عليه السلام، وابن عباس. وقيل: هو استثناء من التحريم لا من المحرمات، لان الميتة لا ذكاة لها، ولا الخنزير، فمعناه: حرمت عليكم سائر ما ذكر إلا ما ذكيتم، مما أحله الله لكم بالتذكية، فإنه حلال لكم، عن مالك، وجماعة من أهل المدينة، واختاره الجبائي.
ومتى قيل: ما وجه التكرار في قوله: والمنخنقة والموقوذة إلى آخر ما عدد تحريمه، مع أنه افتتح الآية (حرمت عليكم الميتة) والميتة تعم جميع ذلك، وإن اختلفت أسباب الموت، من خنق، أو ترد، أو نطح، أو إهلال لغير الله به، أو أكل