فإن اعترض معترض، فقال: أكان دين الله ناقصا، وقتا من الأوقات، حتى أتمه في ذلك اليوم؟ فجوابه: إن دين الله لم يكن إلا في كمال، كاملا في كل حال، ولكن لما كان معرضا للنسخ والزيادة فيه، ونزول الوحي بتحليل شئ، أو تحريمه، لم يمتنع أن يوصف بالكمال، إذا أمن من جميع ذلك فيه، كما توصف العشرة بأنها كاملة، ولا يلزم أن توصف بالنقصان، لما كانت المائة أكثر منها وأكمل. وثانيها: إن معناه اليوم أكملت لكم حجكم، وأفردتكم بالبلد الحرام، تحجونه دون المشركين، ولا يخالطكم مشرك، عن سعيد بن جبير، وقتادة، واختاره الطبري، قال: لان الله سبحانه أنزل بعده (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة).
قال الفراء: وهي آخر آية نزلت، وهذا الذي ذكره لو صح لكان لهذا القول ترجيح، لكن فيه خلاف. وثالثها: إن معناه اليوم كفيتكم الأعداء، وأظهرتكم عليهم، كما تقول: الآن كمل لنا الملك، وكمل لنا ما نريد، بأن كفينا ما كنا نخافه، عن الزجاج، والمروي عن الإمامين أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنه إنما أنزل بعد أن نصب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليا عليه السلام للأنام، يوم غدير خم منصرفه عن حجة الوداع، قالا:
وهو آخر فريضة أنزلها الله تعالى، ثم لم ينزل بعدها فريضة.
وقد حدثنا السيد العالم أبو الحمد مهدي بن نزار الحسيني، قال: حدثنا أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني، قال: أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي، قال:
أخبرنا أبو بكر الجرجاني، قال حدثنا أبو أحمد البصري، قال: حدثنا أحمد بن عمار بن خالد، قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، قال: حدثنا قيس بن الربيع، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما نزلت هذه الآية، قال: الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرب برسالتي، وولاية علي بن أبي طالب من بعدي، وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاده، وانصر من نصره، واخذل من خذله.
وقال علي بن إبراهيم في تفسيره: حدثني أبي عن صفوان، عن العلا ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان نزولها بكراع الغميم (1)، فأقامها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجحفة. وقال الربيع بن أنس: نزلت في المسير في حجة الوداع.