من فعل سائر الناس كلهم ويرد من أفعاله ما يرد من أفعال سائر الناس كلهم ولا فرق، وان من بلغ غير عاقل ولا مميز للدين لم يدفع إليه ماله ولو كان الذي قالوا في الرشد وفى السفه قولا صحيحا - ومعاذ الله من ذلك - لكان طوائف من اليهود. والنصارى. وعباد الأوثان ذوي رشد ولكان طوائف من المسلمين سفهاء وحاش لله من هذا، وأما قوله تعالى: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) الآية. وقوله تعالى: (فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا) فان السفه في لغة العرب التي نزل بها القرآن وبها خوطبنا لا يقع الا على ثلاثة معان لا رابع لها أصلا، أحدها البذاء والسب باللسان وهم لا يختلفون ان من هذه صفته لا يحجر عليه في ماله فسقط الكلام في هذا الوجه، والوجه الثاني الكفر قال الله عز وجل: (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء) وقال تعالى حاكيا عن موسى عليه السلام: أنه قال لله تعالى: (أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) يعنى كفرة بني إسرائيل، وقال تعالى: (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) وقال تعالى: (ومن يرغب عن ملة إبراهيم الا من سفه نفسه) وقال تعالى حاكيا عن مؤمني الجن الذين صدقهم ورضى عنهم قولهم:
(وانه كأن يقول سفيهنا على الله شططا) فهذا معنى ثان ولا خلاف منهم ولا منافي ان الكفار لا يمنعون أموالهم وان معاملتهم في البيع والشراء وهباتهم جائز كل ذلك، وان قوله تعالى: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) وقوله تعالى: (فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا) لم يرد به تعالى قط الكفار ولا ذوي البذاء في ألسنتهم * والمعنى الثالث وهو عدم العقل الرافع للمخاطبة كالمجانين والصبيان فقط، وهؤلاء باجماع منا ومنهم هم الذين أراد الله تعالى في الآيتين وان أهل هذه الصفة لا يؤتون أموالهم لكن يكسون فيها ويرزقون ويرفق بهم في الكلام ولا يقبل إقرارهم لكن يقر عنهم وليهم الناظر لهم فصح هذا بيقين، فمن قال: إن من يغبن في البيع ولا يحسن حفظ ماله وإن كان عاقلا مخاطبا بالدين مميزا له داخل في اسم السفه المذكور في الآيتين فقد قال: الباطل وقال على الله تعالى: ما لا علم له به وقفا ما لا علم له به وما لا برهان له على صحته، وهذا كله حرام لا يحل القول به، قال تعالى: (وان تقولوا على الله مالا تعلمون) وقال تعالى:
(قل: هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) فإذ لا برهان لهم فليسوا صادقين فيه بلا شك، فصح أن الآيتين موافقتان لقولنا مخالفتان لقولهم، وما سمى الله تعالى قط في القرآن ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا العربي الجاهل بكسب ماله أو المغبون في البيع سفيها، والسفيه الذي ذكر في الآية هو الذي لا عقل له لجنونه والضعيف الذي لا قوة له قال تعالى: (ثم جعل