المسجد الحرام وعليه دم المتعة، فإن عدم الهدي وكان واجدا لثمنه تركه عند من يثق به من أهل مكة حتى يذبح عنه طول ذي الحجة، فإن لم يتمكن من ذلك أخره إلى أيام النحر من العام المقبل، ومن لم يجد الهدي ولا ثمنه كان عليه صوم عشرة أيام قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة فمن فاته ذلك صام ثلاثة أيام من أيام التشريق وباقي العشرة إذا عاد إلى أهله.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك كله إلا أنهم اختلفوا في الأفضل من ضروب الحج فقال أبو حنيفة وزفر: القرآن أفضل من التمتع والإفراد. وقال أبو يوسف: التمتع بمنزلة القران. وهو قول ابن حي. وكره الثوري أن يقال: بعضها أفضل من بعض. وقال مالك والأوزاعي: الإفراد أفضل. وللشافعي قولان: أحدهما أن الإفراد أفضل والآخر أن التمتع أفضل. وهو قول أحمد بن حنبل وأصحاب الحديث.
دليلنا الاجماع المتردد، ويمكن أن يستدل أيضا على وجوب التمتع بأن الدليل قد دل على وجوب الوقوف بالمشعر وأنه مجزئ في تمام الحج عن الوقوف بعرفة إذا فات وكل من قال بذلك أوجب التمتع بالعمرة إلى الحج والقول بوجوب أحدهما دون الآخر خروج عن إجماع المسلمين، ويمكن أن يستدل على ذلك بقوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله.
وأمره تعالى على الوجوب والفور فلا يخلو من أن يأتي بهما على الفور بأن يبدأ بالحج ويثني بالعمرة أو يبدأ بالعمرة ويثني بالحج أو يحرم بالحج والعمرة معا، والأول يفسد بأن أحدا من الأمة لا يوجب على من أحرم بالحج مفردا أن يأتي عقيبه بلا فصل بالعمرة، والقسم الأخير باطل عندنا أنه لا يجوز أن يجمع في إحرام واحد بين الحج والعمرة كما لا يجمع في إحرام واحد بين حجتين أو عمرتين فلم يبق إلا وجوب القسم الأخير وهو التمتع الذي ذهبنا إليه.
فإن قيل: قد نهى عن هذه المتعة مع متعة النساء عمر بن الخطاب وأمسكت الأمة عنه راضية بقوله.
قلنا: نهى من ليس بمعصوم عن الفعال لا يدل على قبحه، والإمساك عن النكير لا يدل عند أحد من العلماء على الرضا إلا بعد أن يعلم أنه لا وجه له إلا الرضا وقد بينا