والنور أعياننا والنور خالقنا * وفيه نسعى برجل أو بلا قدم اعلم أيدنا الله وإياك أن الوجود المطلق هو الخير المحض كما إن العدم المطلق هو الشر المحض والممكنات بينهما فيما تقبل الوجود لها نصيب في الخيرية وبما تقبل العدم لها نصيب في الشر وليس الأدب الإجماع الخير كله ولهذا سميت المأدبة مأدبة الاجتماع الناس فيها على الطعام ولا شك أن الخير ظهر في العالم متفرقا فلا يخلو ممكن عن خيرية وما والممكن الكامل المخلوق على الصورة الإلهية المخصوص بالسورة الإمامية لا بد وإن يكون جامعا لجميع الخير كله ولهذا استحق الإمامة والنيابة في العالم ولهذا قال في آدم ع وعلم آدم الأسماء كلها وما ثم إلا اسم ومسمى وقد حصل علم الأسماء محمد ص حين قال علمت علم الأولين والآخرين فعلمنا أنه قد حصل عنده علم الأسماء فإنه من العلم الأول ولأن آدم له الأولية فهو من الأولين في الوجود الحسي وقال عن نفسه فيما خص به على غيره إنه أوتي جوامع الكلم والكلم جمع كلمة والكلم أعيان المسميات قال تعالى وكلمته ألقاها إلى مريم وليست غير عيسى فأعيان الموجودات كلها كلمات الحق وهي لا تنفذ فقد حصل له الأسماء والمسميات فقد جمع الخير كله فاستحق السيادة على جميع الناس وهو قوله أنا سيد الناس يوم القيامة وهناك تظهر سيادته لكون الآخرة محل تجلى الحق العالم فلا يتمكن لتجليه دعوى من أحد فيما ينبغي أن يكون لله أو يكون من الله لمن شاء من عباده فقوله وصل يعني إلى تحصيل الخير المحض وهو قوله تعالى كنت سمعه وبصره وأمثال هذا وهذا هو الوصول إلى السعادة الدائمة وهو الوصول المطلوب ولا شك أنه من وصل لم يرجع فإنه من المحال الرجوع بعد كشف الغطاء إلى محل صفة الحجاب فإن المعلوم لا يجهله العالم به بعد تعلق العلم به فرجال الله المكملون كشف الله الأغطية عن بصائرهم وأبصارهم بما حصلوه من الصفات الإلهية ووقفوا عليه من الصفات الكونية وكلها كما تقدم إلهية وهؤلاء هم الأدباء الذين صلحوا البساط الحق جلساء الله وأهله وهم أهل الذكر والقرآن الذي هو الجمع وبه سمي قرآنا وأما العامة فلا بد لهم من كشف الغطاء عن أبصارهم عند الموت فيرون الأمور على ما هي عليه وإن لم يكونوا من السعداء فيرون السعداء والسعادة ويرون الأشقياء والشقاوة فلا يجهلون بعد هذا العلم وإن شقوا فهذا معنى قوله ومن وصل لم يرجع ولو كان غير أديب أي غير جامع للخير وإنما سمي جامعا للخير والخير أمر واحد لكون هذا الأمر الواحد ظهر في صور كثيرة مختلفة جمعها هذا الأديب فظهر في خيريته بكل صورة خير فسمي أديبا أي جامعا لهذه الصورة الخيرية والخير في نفسه حقيقة واحدة ظاهرة في العالم في صور مختلفة وما على الله بمستنكر * أن يجمع العالم في واحد فالأديب ظاهر بصورة حق في العالم يفصل إجماله بصوره ويجمل تفصيله بذاته ومتى لم تكن هذه الصفة والقوة في رجل فليس بأديب وهؤلاء هم الذين إذا رأوا ذكر الله وإذا ذكر الله فقد ضمن ذكره جميع العالم فمن ذكر الله بهذا اللسان فقد ذكر العالم لأن العالم صورة الحق وهو الاسم الظاهر الذي وقع فيه التفصيل ومدلوله أيضا الحق لأنه عين الدليل على نفسه فكان له من أجل هذا الاسم الباطن الذي وقع به الإجمال فالعلم واحد وهو في الباطن وتعلقاته متعددة بتعدد صور المعلومات فالعالم يكشف المعلومات ببصيرته على جهة الإحاطة بحقائقها أنها لا تتناهى معلوماته ولا مقدوراته وما بقي في عين الممكن في قبوله الوجود نصيب للعدم ولا حكم إلا معقولية الإمكان وإن لم ينعدم بعد ولا يصح عدمه لأن خلاف المعلوم محال الوقوع ولا يكون عن الوجود عدم أصلا لأنه ليس في حقيقته صدور العدم عنه فما انعدم من الأمور التي يعطي الدليل عدمها إنما انعدم لنفسه أو لعدم الشرط في بقائه في الوجود وبهذا القدر انفصل وجود الممكن من وجود الحق فإن الإمكان لا يزول حكمه عقلا في الموجود المحدث لنفسه الممكن والإمكان لا نصيب لوجود الحق فيه أصلا وإن كان وجود أعيان الممكنات لا ينعدم أصلا بعد وجودها ولكن كما قررناه وأما الأعراض التي قلنا إنها تنعدم لنفسها في الزمان الثاني من زمان وجودها فحقيقتها أنها أسباب عدمية لها أحكام معقولة مقولة لا يمكن جحدها ولا الحكم بها فلو كانت الأعراض أعيانا وجودية لاستحال عدمها مع حكم الإمكان فيها كما استحال في كل قائم بنفسه من الممكنات ثم إنك إذا أخذت تفصل بالحدود أعيان الموجودات وجدتها بالتفصيل نسبا وبالمجموع أمرا وجوديا لا يمكن لمخلوق
(٥٥٦)