فالعالم النحرير ليس بثابت * في حاله فمقامه يتلون فلذاك أعطى كل شئ خلقه * وهذا كم لكلامه فتبينوا لو لم يكن عين الكلام وجودنا * لم نغتنمه فلم تلذ الأعين بفنون أسماء الإله قلوبنا * وتوجهات الحق بي تتفنن فجميع ما جئنا به إن كنت ذا * فهم وتحقيق به تتيقن اعلم أيدنا الله وإياك أن الله تعالى لما سوى النشأة الإنسانية بل جميع ما أنشأه من أجسام العالم الطبيعية والعنصرية وعدلها على الترتيب الذي تقتضيه الحكمة في كل جسم وعدله وهياه لقبول ما يريد أن يهبه في نفخه فيه من الروح الإلهي نفخ فيه من روحه فظهر فيه عند ذلك نفس مدبرة لذلك الهيكل وظهرت بصورة مزاج الهيكل فتفاضلت النفوس كما تفاضلت الأمزجة كما يضرب نور الشمس في الألوان المختلفة التي في الزجاج فتعطي أنوارا مختلفة الألوان من أحمر وأصفر وأزرق وغير ذلك بحسب لون الزجاج في رأى العين فلم يكن ذلك الاختلاف في النور الذي حدث فيه إلا من المحل ولا تعين في نفسه جزءا عن غيره إلا بالمحل فالمحل عينه والمحل غيره كذلك النفوس المدبرة للهياكل الطبيعية والعنصرية فللنفوس الأثر في الهياكل بحكم التدبير ولا تقبل من التدبير فيها من هذه النفوس إلا بقدر استعدادها وللهياكل أثر في النفوس بحسب أمزجتها في أصل ظهورها عند تعيينها فمنهم الذكي والبليد بحسب مزاج الهيكل فالأمر عجيب بينهما فكل واحد منهما مؤثر فيمن هو مؤثر فيه ثم إن الله أخذ بأكثر أبصار جنس الإنس والجان عن إدراك النفوس المدبرة الناطقة التي للمسمى جمادا ونباتا وحيوانا وكشف لبعض الناس عن ذلك والدليل السمعي على ما قلناه قول الله وإن منها يعني من الحجارة لما يهبط من خشية الله فوصفها بالخشية وأما أمثالنا فلا يحتاج إلى خبر في ذلك فإن الله قد كشفها لنا عينا وأسمعنا تسبيحها ونطقها لله الحمد على ذلك وكذلك اندكاك الجبل لتجلى الرب له لولا العظمة التي في نفس الجبل من ربه لما تدكدك لتجليه له فإن الذوات لا تؤثر في أمثالها وإنما يؤثر في الأشياء قدرها ومنزلتها في نفس المؤثر فيه فعلمه بقدر ذلك المتجلي أثر فيه ما أثر فيه ما ظهر له فإنا نرى الملك إذا دخل في صورة العامة ومشى في السوق بين الناس وهم لا يعرفون أنه الملك لم يقم له وزن في نفوسهم فإذا لقيه في تلك الحالة من يعرفه قامت بنفسه عظمته وقدره فأثر فيه علمه به فاحترمه وتأدب وسجد له فإذا رأى الناس الذين يعرفون قرب ذلك العالم من الملك وأن منزلته لا تعطي أن يظهر منه مثل هذا الفعل إلا مع الملك علموا أنه الملك فحادت إليه الأبصار وخشعت الأصوات وأوسعوا له وتبادروا لرؤيته واحترامه فهل أثر ذلك عندهم إلا ما قام بهم من العلم به فما احترموه لصورته فقد كانت صورته مشهودة لهم وما علموا أنه الملك وكونه ملكا ليس عين صورته وإنما هي رتبة نسبية أعطته التحكم في العالم الذي تحت بيعته ورد في الخبر الذي خرجه أبو نعيم الحافظ في دلائل النبوة في بعض إسراءات رسول الله ص أنه قال جاءه جبريل ع ليلة ومعه شجرة فيها كوكرى الطائر فقعد رسول الله ص في الوكر الواحد وقعد جبريل ع في الوكر الآخر ثم إن الشجرة علت بهما حتى بلغا السماء فتدلى إليهما رفرف در وياقوت فأما محمد ص فلم يعلم ما هو فلم يؤثر فيه وأما جبريل ع عند ما رآه غشى عليه فقال ص فعلمت فضله علي في العلم فإنه علم ما رأى فأثر فيه علمه بما رآه الغشي ولم يعلمه رسول الله ص فلم ير له أثر فيه فلا يؤثر في الأشياء إلا ما قام بها وليس إلا العلم ألا ترى شخصان يقرآن القرآن فيخشع أحدهما ويبكي والآخر ما عنده من ذلك كله خبر ولا يؤثر فيه هل ذلك إلا من أثر علمه القائم به لما تدل عليه تلك الآية وشهوده ما تضمنته من الأمر الذي أبكاه وخشع له والآخر أعمى عن تلك المعاني لا يجاوز القرآن حنجرته ولا أثر لتلاوته فيه فلم يكن الأثر لصورة لفظ الآية وإنما الأثر لما قام بنفس العالم بها المشاهد ما نزلت له تلك الآية فلا يؤثر فيك إلا ما قام بك من حيث ما تعلم وتشهد فلو لا علمه بالأمر ما هاله وإذا لم يرتحل ووقف عند ما رآه وقد هاله ذلك فبالضرورة يهلك أي يغيب عن صوابه وحسه ويدهش أو يغشى عليه أو يموت فرقا منه على قدر قوة
(٥٥٤)