ولقد علمتم النشأة الأولى فلو لا تذكرون وننشئكم فيما لا تعلمون فإذا أخرجت الأرض أثقالها وحدثت أنها ما بقي فيها مما اختزنته شئ جئ بالعالم إلى الظلمة التي دون الجسر فألقوا فيها حتى لا يرى بعضهم بعضا ولا يبصرون كيف التبديل في السماء والأرض حتى تقع فتمد الأرض أولا مد الأديم وتبسط فلا ترى فيها عوجا ولا أمتا وهي الساهرة فلا نوم فيها فإنه لا نوم لأحد بعد الدنيا ويرجع ما تحت مقعر الفلك المكوكب جهنم ولهذا سميت بهذا الاسم لبعد قعرها فأين المقعر من الأرض ويوضع الصراط من الأرض علوا على استقامة إلى سطح الفلك المكوكب فيكون منتهاه إلى المرج الذي خارج سور الجنة وأول جنة يدخلها الناس هي جنة النعيم وفي ذلك المرج المأدبة وهو درمكة بيضاء نقية منها يأكل أهل المأدبة وهو قوله تعالى في المؤمنين إذا أقاموا التوراة والإنجيل من بني إسرائيل ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم فنحن أمة محمد ص نقيم كل ما أنزل إلينا من ربنا بالإيمان وبه نعمل من ذلك بما أمرنا من العمل به وغيرنا من الأمم منهم من آمن كما آمنا ومنهم من آمن ببعض وكفر ببعض فمن نجا منهم قيل فيه لأكلوا من فوقهم وهو ما خرج من فروع أشجار الجنان على السور فظلل على هذا المرج فقطفه السعداء ومن تحت أرجلهم هو ما أكلوه من الدرمكة البيضاء التي هم عليها ووضع الموازين في أرض الحشر لكل مكلف ميزان يخصه وضرب بسور يسمى الأعراف بين الجنة والنار وجعله مكانا لن اعتدلت كفتا ميزانه فلم ترجح إحداهما على الأخرى ووقفت الحفظة بأيديهم الكتب التي كتبوها في الدنيا من أعمال المكلفين وأقوالهم ليس فيها شئ من اعتقادات قلوبهم إلا ما شهدوا به على أنفسهم بما تلفظوا به من ذلك فعقلوها في أعناقهم بأيديهم فمنهم من أخذ كتابه بيمينه ومنهم من أخذه بشماله ومنهم من أخذه من وراء ظهره وهم الذين نبذوا الكتاب في الدنيا وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا وليس أولئك إلا الأئمة الضلال المضلون الذين ضلوا وأضلوا وجئ بالحوض يتدفق ماء عليه من الأواني على عدد الشاربين منه ولا تزيد ولا تنقص ترمي فيه أنبوبات أنبوب ذهب وأنبوب فضة وهو لزيق بالسور ومن السور تنبعث هذان الأنبوبان فيشرب منه المؤمنون ويؤتى بمنابر من نور مختلفة في الإضاءة واللون فتنصب في تلك الأرض ويؤتى بقوم فيقعدون عليها قد غشيتهم الأنوار لا يعرفهم أحد في رحمة الأبد عليهم من الخلع الإلهية ما تقربه أعينهم ويأتي مع كل إنسان قرينه من الشياطين والملائكة وتنشر الألوية في ذلك اليوم للسعداء والأشقياء بأيدي أئمتهم الذين كانوا يدعونهم إلى ما كانوا يدعونهم إليه من حق وباطل وتجتمع كل أمة إلى رسولها من آمن منهم به ومن كفر وتحشر الأفراد والأنبياء بمعزل من الناس بخلاف الرسل فإنهم أصحاب العساكر فلهم مقام يخصهم وقد عين الله في هذه الأرض بين يدي عرش الفصل والقضاء مرتبة عظمى امتدت من الوسيلة التي في الجنة يسمى ذلك المقام المحمود وهو لمحمد ص خاصة وتأتي الملائكة ملائكة السماوات ملائكة كل سماء على حدة متميزة عن غيرها فيكونون سبعة صفوف أهل كل سماء صف والروح قائم مقدم الجماعة وهو الملك الذي نزل بالشرائع على الرسل ثم يجاء بالكتب المنزلة والصحف وكل طائفة ممن نزلت من أجلها خلفها فيمتازون عن أصحاب الفترات وعمن تعبد نفسه بكتاب لم ينزل من أجله وإنما دخل فيه وترك ناموسه لكونه من عند الله وكان ناموسه عن نظر عقلي من عاقل مهدي ثم يأتي الله عز وجل على عرشه والملائكة الثمانية تحمل ذلك العرش فيضعونه في تلك الأرض والجنة عن يمين العرش والنار من الجانب الآخر وقد علمت الهيبة الإلهية وغلبت على قلوب أهل الموقف من إنسان وملك وجان ووحش فلا يتكلمون إلا همسا بإشارة عين وخفي صوت وترفع الحجب بين الله وبين عباده وهو كشف الساق ويأمرهم داعي الحق عن أمر الله بالسجود لله فلا يبقى أحد سجد لله خالصا على أي دين كان إلا سجد السجود المعهود ومن سجد اتقاء ورياء خر على قفاه وبهذه السجدة يرجح ميزان أصحاب الأعراف لأنها سجدة تكليف فيسعدون ويدخلون الجنة ويشرع الحق في الفصل والحكم بين عباده فيما كان بينهم وأما ما كان بينهم وبين الله فإن الكرم الإلهي قد أسقطه فلا يؤاخذ الله أحدا من عباد الله فيما لم يتعلق به حق للغير وقد ورد من أخبار
(٤٣٩)