ليس إلا الله وحده وجودا ويسمى خلقا لحكم الممكن في تلك العين فإذا علم العبد ما هي العين الموجودة وما هو الحكم وإنه عن عين معدومة لم يبال وزال ما كان يجده من ثقل الكون الذي من أجله سمي الجن والإنس بالثقلين وهو اسم لكل موجود طبيعي وزال عنه ما كان يحس به من الألم النفسي والحسي ورفعه الله عند هذا مكانا عليا وهو نصيبه من مقام إدريس ع فارتفعت مكانته وزالت زمانته وحمد مسراه وعلم ما أعطاه سراة فتميزت المراتب واتحدت المذاهب وتبحرت الجداول والمذانب واستوى القادر وغير القادر والكاسب فأعظم الإقبال وأعلاه من يكون إقباله على الله عين نفسه الخارج وصدوره عن الله وهو عين إقباله عين نفسه الداخل فهو مقبل على الله من كونه محيطا بالنفس الخارج ومقبل على الله في صدوره بنفسه الداخل من كون الحق وسعه قلبه فيكون مستفيدا في كل نفس بين اسم إلهي ظاهر وبين اسم إلهي باطن فالنفس الخارج إلى الحق المحيط الظاهر ليريه عين الحق في الآيات في الآفاق والنفس الداخل إلى الحق الباطن ليريه عين الحق في نفسه فلا يشهد ظاهرا ولا باطنا إلا حقا فلا يبقى له في ذاته اعتراض في فعل من الأفعال إلا بلسان حق لإقامة أدب فالمتكلم والمكلم عين واحدة في صورتين بإضافتين ثم لتعلم يا ولي أن الله لما خلق العالم وملأ به الخلاء لم يبق في العالم جوهر يزيد ولا ينقص فهو بالجوهر واحد غير إن هذا الجوهر الذي قد ملأ الخلاء لا يزال الحق تعالى فيه خلاقا على الدوام بما يفتح فيه من الإشكال ويلطف فيه من الكثائف ويكثف فيه من اللطائف ويظهر فيه من الصور ويحدث فيه من الأعراض من أكوان وألوان ويميز كل صورة فيه من الكثائف بما يوجده فيها من الصفات وعلى الصورة التي تفتح فيه تقع الحدود الذاتية والرسمية وفيه تظهر أحكام النسب والإضافات فما أحدث الله بعد ذلك جوهرا لكن يحدث فيه فإذا علمت هذا فاعلم من تقع عليه العين وما هي عليه العين وما تسمعه الأذن وما هي الأذن وما يصوت به اللسان وما هو الصوت وما نلمسه الجوارح وما هي الجارحة وما يذوق طعمه الحنك وما هو الحنك وما يشمه الأنف وما هو الأنف وما يدركه العقل وما هو العقل وما هو السمع والبصر والشم والطعم واللمس والحس وما هو المتخيل والمتخيل والخيال وما هو التفكر والمتفكر والفكر والمتفكر فيه وما هو المصور والمصور والصورة والذاكر والذكر والمذكور والوهم والمتوهم والتوهم والمتوهم فيه والحافظ والحفظ والمحفوظ وما هو المعقول فما يحصل لك إلا علم بأعراض ونسب وإضافات في عين واحدة هي الواحدة والكثيرة وعليها تنطلق الأسماء كلها بحسب ما أحدث الله فيها مما ذكرناه وهي بالذات عين هذا الجوهر الذي ملأ الخلاء وقابل لكل ما ذكرناه وفيه يظهر الجوهر الصوري والعرض والزمان والمكان وهذه أمهات الوجود ليس غيرها وما زاد عليها فإنه مركب منها من فاعل ومنفعل وإضافة ووضع وعدد والكيف ومن هنا يعرف هل تقوم المعاني بالمعاني أو الجوهر القابل للمعنى الذي يظن أن المعنى الآخر قائم به إنما هو قائم بالجوهر الذي قام به المعنى الموصوف مثل إشراق السواد فتقول سواد مشرق أو علم حسن أو خلق كريم أو حمرة في بياض مشربة به فإذا علمت هذا علمت من أنت وما هو الحق الذي جاد عليك بما ذكرناه كله وأشباهه وعلمت أنه لا يمكن أن يماثله شئ من خلقه مع معقولية المناسبة التي ربطت وجودك بوجوده وعينك بعينه كما ربط وجود علمك به بعلمك بك في قوله من عرف نفسه فقد عرف ربه فإن أعرف الخلق بالخلق أعرفهم بالله وعلمت أحدية الواحد من أحدية الكثرة وانحصار الوجود قديمه وحديثه فيما ذا ينحصر وتمييز القديم من المحدث بما ذا يتميز وما ينسب إلى القديم الأزلي من الأسماء والأحكام وما ينسب إلى المخلوق المحدث من الأسماء والأحكام ولما ذا يرجع عين العالم وما يشهد من الحق إذا تجلى لك ورأيته ولما ذا يرجع اختلاف التجلي وتغايره هل لتغاير إدراكك في عين واحدة تختلف رؤيتك فيه وهو غير متنوع في نفسه أو ذلك التنوع في التجلي راجع إلى النسبة لا إليك ولا إليه فأما إليه فمحال عند أهل الله وما بقي إلا لأحد أمرين أو لهما إما إليك أو إلى أمر آخر ما هو هو ولا هو أنت وهكذا تشهده فما كل من رأى عرف ما رأى وما حار أهل الحيرة سدى فإن الأمر عظيم والخطب جسيم والمشهد عام والوجود طام والكمال حاصل والعلم فاصل والحكم نازل والتجدد مع الأنفاس في الأكوان معقول وما يقال على الحق
(٤٠٤)